الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها
سهيل كيوان | مجد الكروم – فلسطين
قد تحدث الفتنة بين مذاهب أو طوائف أو قوميات أو عشائر أو أحزاب في البلد الواحد، وأحيانا بين أبناء العائلة نفسها أو بين جيران.
الفتنة تدمّر كل ما بُني على مدار عقود أو حتى قرون، وتحصد ضحايا، وتؤدي إلى ما يصعب إصلاحه فيما بعد، حتى على البعد التاريخي، مثل إسقاطات الحروب الأهلية في الكثير من دول العالم عبر التاريخ، ومنها الحرب بين معاوية وعلي بن أبي طالب، والحروب الطائفية كما في لبنان والمذهبية بين شيعة وسنّة، وكاثوليك وبروتستانت وبين هندوس ومسلمين وغيرهم.
يربح الأعداء من الفتن التي يقع فيها خصومهم أو أعداؤهم، إذ أن فيها منفعة لهم، لأنها تضعف الطرفين المعاديين، ولهذا فهم يركبون على موجتها بحماس شديد ويغذّونها، وكثيرًا ما يعمل الأعداء على إثارة الفتن بين خصومهم بهدف إشغال بعضهم ببعض، لاستنزاف قواهم ومواردهم، وقد يناصر العدو طرفًا منهما ضد الآخر، فيقوّيه على شقيقه أو جاره أو ابن قومه، وقد يلجأ بعضهم إلى عدوِّه طالبًا العون والتحالف معه مرحليًا ضد شقيقه وابن وطنه، نتيجة الضغينة والحقد الذي تسببه هذه الحروب الداخلية.
في يوم الجمعة الماضي، وقع اعتداء لفظي ومعنوي كاد أن يكون جسديًا على مفتي فلسطين الشيخ محمد حسين، وذلك خلال تأديته خطبة الجمعة على منبر صلاح الدين في المسجد الأقصى.
كل من رأى المشهد شعر بالخجل، بل وسأل نفسه، كيف يمكن أن يتصرف بعض أبناء هذا الشعب الذين كانوا قبل ساعات قليلة كالبنيان المرصوص؟ كيف وهم جميعهم ينتقلون من مواجهة إلى أخرى مع الاحتلال الذي يقمع الجميع؟
ظننت أن الخطيب قد هاجم حركة حماس، ولهذا كان رد فعل بعض المصلين عنيفًا، ولكن من يسمع الخطبة لا يجد فيها هجومًا على أي طرف، ولكن ممكن القول إنها خطبة دبلوماسية في وضع متفجِّر.
المشكلة أن الحميّة تأخذ البعض فلا يضبط نفسه بينما أنظار مئات الملايين من البشر متّجهة إلى هذا المكان وهذا المنبر بالذات، ورغم ذلك يتصرف البعض بصورة هوجاء ليضرب إسفينا آخر في الجسد الفلسطيني، وليقدم نموذجًا سيّئا في تصرفه أثناء ممارسته للعبادة.
المخيف في هذا التصرّف، أنه ينبّه إلى سهولة إثارة الفتنة، يكفي بأن يقف أحدهم ويصرخ ضد آخر، فيتبعه آخر وآخر وآخر.
هذا يعني سهولة أن نشتبك بعضنا ببعض، حتى في أقدس الأماكن، التي انتفضنا كلنا لندافع عنها.
مخيف جِدًا، لأن أعداء شعبنا يستطيعون زرع الفتنة من خلال بعض المدسوسين، لا أقصد هؤلاء الشبان الذين قاطعوا خطيب الأقصى، بل أسوقه نموذجًا لسهولة الاستفزاز وعمل الفتنة.
يكفي أن يقف أحدهم ويشير إلى شخص ما بأنه عميل ومن دون تروٍ ووقوف على الأمر وفحص مصداقيته، ما هي سوى لحظات، حتى تُفقد السَّيطرة ويشتبكُ الجميع مع الجميع.
نعيش في مرحلة حرجة، تشهد تصعيدًا في عمليات التهويد، يرافقها تصعيد في القمع والخفة في إطلاق النار على أي مظهر من مظاهر المقاومة، الأمر الذي يلحُّ علينا بأن نتصرف بمسؤولية أكبر بكثير من هذه التي استعرضها بعض الشبان في صلاة الجمعة الأخيرة في الأقصى.
يجب الانتباه جيَّدا، بأن هذه الشقاقات تخدم المستوطنين والاحتلال، بل أن الاحتلال يخصص مساحة كبيرة جدًا من سياسته في رهانٍ على الفتنة.
أصوات كثيرة في إسرائيل تحدّثت عن فشل العدوان على غزة في تحقيق أهدافه، وفي الوقت ذاته تبني رؤيتها على تأكيد مواصلة التشرذم الفلسطيني بل وتنشيط هذا السيناريو، باتجاه صراع أوسع بين حماس وفتح على النفوذ والسَّيطرة على الضفة الغربية والقدس.
ما يجري على أرض الواقع من تهويد واحتلال وإذلال أكبر من الأشخاص ومن الفصائل بكل توجُّهاتها، وكل من يسهم بزرع الفتنة بين الشباب الوطني الذي يواجه الاحتلال ببطولة، يرتكب جريمة في حق شعبنا وقضيّته، مهما كانت نواياه، ومهما كان حماسه لفريق أو لفصيل من الفصائل.
من حقِّ كل واحد أن يبدي رأيًا مخالفًا من خلال الحوار، دون غوغائية التَّعرض لأحد بأذى لفظي أو جسدي، وخصوصًا تخوين بعضنا بعضًا من دون قرائن وإثباتات، لأنه قد يتطّور بسهولة إلى صدام واسع وكارثة وطنية تحرق الجميع.
الجميع متورطون ومُبتلون باحتلال فاشي لا يتورع عن فعل شيء، ولا يمكن التخلص منه، إلا عندما يكون الجميع على قلب رجل واحد.