شاهدْ واستمعْ لتساؤلات حول مستقبل الحكي! بملتقى الإبداعات السردية

عماد البليك | روائي وإعلامي سوداني

نظم المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح في باريس ندوة “نهاية الحكاية” مساء يوم 29 مايو 2021 ضمن برنامج الملتقى الأول للإبداعات السردية، بمشاركة كل من الشاعر والناقد العراقي الدكتور حاتم الصكر والروائي والناقد المغربي الدكتور إبراهيم الحجري، بتقديم الروائي والناقد السوداني عماد البليك.
وقد ناقشت الندوة آفاق عالم الحكاية منذ أقدم العصور إلى الوقت الراهن، مرورا بالعصور العربية القديمة والتجربة الحديثة في السرد العربي، وتطرقت إلى الشعر العربي والحكاية فيه، وكيف نفذ الشعر إلى السرد في التجارب الأكثر حداثة، باتجاه العديد من الشعراء إلى التجريب الروائي.
في التقديم أشار البليك إلى قدم الحكاية منذ زمن الأساطير التي تعتبر شكلا من أشكال الحكاية التقليدية التي تروى أحداثا خارقة، وتطرق لتجارب عربية في الحكايات مثل ألف ليلة وليلة وكتاب كليلة ودمنة، وطرح تساؤلات حول مفهوم الحكاية ووجودها في التراث الشعبي والحكايات الشعبية وفي الشعر الجاهلي (ما قبل الإسلام)، وتوقف عند الحكاية الشعرية الحديثة ورغبة الشعراء في التحرر من الذاتية والغنائية والتحرر من اللاواقعية، إلى محاولة النص الروائي الجديد إنتاج سياق لاحكائي كما في تجارب ميلان كونديرا حيث البطولة للمفاهيم في أعماله الروائية.
الدكتور حاتم الصكر قام في البدء بفك الالتباس في المفاهيم ليجلي موضوع الحكاية ويفرق بينه كمفهوم ومسألة الحكي، مشيرا إلى ضرورة فكّ مثل هذا الاشتباك لكي نفهم الأمور بشكل أفضل.
وقد تطرق لتوظيف الحكاية في الشعر كما عند أنسي الحاج وصلاح فائق، مستعرضا نماذج شعرية في هذا الشأن، وقال بإنه بالإمكان الحديث عن شعرية القصّ أو الحكي، وليس البنية الحكائية التامة للقصيدة أي “الحكاية الشعرية”.
وفي تحليله المفاهيمي للحكاية، فقد دعا الصكر إلى التحرر من الذاكرة منوها بأن الحكايات لم تنته لكنها تكتسب بنية جديدة وروح مختلفة، مشيرا إلى أن الحكاية تخسر عندما ترتبط بالمعقلن، وأن وجودها حاضر في كافة الفنون الإبداعية من الشعر للسرد إلى اللوحة والسينما.
وتطرق إلى الألعاب الحكائية في القصيدة من البياض إلى التنسيق في الصفحة ما أطلق عليه “جسد النص” الذي يتم الاشتعال عليه واستثمار جسدية الورقة، كما في تجربة أدونيس في كتابه “الكتاب” عن سيرة المتنبي، متطرقا إلى السردية أو التمظهرات السردية في نصوص أدونيس الحديثة.
الصكر نوه إلى أن الشعر يعيش مأزقا اليوم وأن السبيل لتحرير الشعرية يكمن في تعضيد شعرية القصيدة عبر الحلول التجريبية وفك فضاء البلاغة والصور المستعادة والعمل على تعدد الأصوات ووجهات النظر في النص وغيرها من الحلول.
كما قال بأن هذا العصر هو منطقة “السرد خارج الزمان” وحيث تتداخل الفنون الإبداعية جميعها، متطرقا لنموذج قصيدة السرد في الغرب.
وفي إطار التجارب الروائية التي جاءت من حيز الشعر أو التجربة الشعرية، وصفها كأنها رغبة في التجريب الشعري في عالم الرواية.
الدكتور إبراهيم الحجري ركز على السرد والرواية مستعرضا مفهوم الحكاية داخل الرواية وأنها ذات بداية وعقدة ونهاية، بيد أنه ركز على أن النهايات قد تكون متعددة في النصوص الحديثة، أو الأكثر حداثة.
وقال بإنه يجب التفريق بين الخطاب والقصّ داخل النص، كما يجب الانتباه لبناء النهاية والبداية في النص، وهي لعبة الكاتب التي من خلالها يجعلنا نفهم هل اقترب من تفكيك الحكاية التقليدية أم لا، مشيرا إلى أن الروائي ينجح عندما يكون قد استطاع حبك نهاية النص.
وتطرق إلى التيارات العديدة في الرواية العربية اليوم، منوها بأن الرواية لم تنته وأن مشكلة الرواية تكمن في التعبير عن الذاتية وفضاء الأديب نفسه وليس البحث عن مدونات في التمثيل التاريخي كما هو شائع الآن أو في مشاريع أخرى قد تبعده عن ذاته.
وتحدث الشاعر والتشكيلي السوري صبري يوسف عن الحكاية في التشكيل مشيرا إلى أن اللوحة لها قصتها وقد تنطلق من قصيدة أو أي تصور آخر، غير أنها لابد أن تقدم حكاية يقوم المتلقي باستقبالها، لكن الحكايات هنا لونية وبصرية وليست لغوية كما في السرد والشعر.
وتطرق السينمائي اليمني حميد عقبي مدير الملتقى العربي الأوروبي إلى تجربته في العمل السينمائي، وكيف عمل على الاشتغال في نصوص شعرية كما في نص “حياة جامدة” لسعدي يوسف، بحيث كان هاجسه تحرير الفيلم من الأسلوب الحكائي التقليدي.
وقد خلصت الندوة في نقاشات مستفيضة إلى العديد من الأفكار والأسئلة الجديدة التي تفيد بأن الحكاية لم تنته لكنها قد تدخل مرحلة جديدة استجابة لروح الحياة والعصر، وأن مشروع الأدب والإبداع عامة يتطلب المثابرة والاشتغال وتعدد النظرات المفتوحة على أفق المعرفة والحرية الذاتية مهمة للأديب، كذلك البناءات المعرفة والمفاهيمية.
كما سبقت الإشارة فإن الندوة تأتي ضمن الملتقى الأول للإبداعات السردية في رحاب المنتدى العربي الأوربي للسينما والمسرح الذي يعقد من 20 إلى 31 مايو 2021م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى