مقتطف من سرديات الروائية الجزائرية حنان بركاني

مساء المطر

إنها تمطر، و أنت تعرف ذلك الحنين الذي تثيره رائحة التربة المبللة حديثا حين أقف إلى نافذة الذاكرة، تعرف أنه مهما خذلتنا الأمكنة لا ندير الظهر لمرآة أغرقنا النظر فيها وكررنا أسطورة نارسيس …

إنها تمطر، وحين تمطر تنصهر المرأة في داخلي، و تتعالى أصوات الكتابة تماما كلونِ الحطب المحترق بعيدا في كوخ شاعر يحب عزلته.

أفكر في كتابة رسالة استعجالية تجعلك تتصبب حضورا… في اقتراف أي شيء يجعلك تتأهب لتكون هنا معي ولو على صعيد نص …
لم يحدث أن أخبرتني يوما: كم تحب حرفي! لكنني أجازف و أصنع سطوري وأحول الأوراق الصغيرة إلى زوارق وأفلتها …
غريبة جدا علاقتي بالمطر، غريبة ولافتة ، وغريب منطق أن آخذ يدك كالسماء وأنتظر ان أتبلل بك وننجب غيمة أو زكاما … لم يعد إنجاب النصوص غايتي ولا إنجاب الأطفال … صار إنجاب الدهشة و إنجابك كل مرة بحيلة جديدة غايتي ؟
كنت كقطة مكورة تحت بطانية فرو، تنعم بالهدوء والدفء ثم فجأة حين نمى خيالك في داخلي، حينما عبرت بفكري تحولت للمرأة التي تنبش بأظافرها الاصطناعية قبرها وتخرج جثتها التي أصبحت حقل ورود، المرأة التي تناضل كي يبقى قلبها أخضر ، هل يجب أن أكتب رسالة على شكل عطر ؟
العطور لا تموت إنها تمتد كالذاكرة وككل ما لا يمكن الهرب منه … كالمصير …
كنت أريد أن أسألك: ترى هل جربت العناق في الشوارع المبللة تحت مطارية امرأة شاعرة تبكي ليلا وصباحا تزين وجهها وتخرج لمواجهة العالم ؟ لكنني غيرت السؤال : ترى هل سبق ورأيت المطر يطرق صدر امرأة؟
امرأة تحمل في قفصها الكثير من الأمنيات والحرية …
إنني أدري أنك بعيد … لعل ذلك ما يزيد طيني وجعا … وربما ما يزيد الوجع سطوة هذا المساء الغائم الماطر …
يلفحني الحنين، ويخرج إلى جسدي ويخرج، فكيف أواجه احتراقي تحت ماء الله ؟
لا سبيل غير خضرتي وهذا القلب أدس فيه حواسي الخمس وفائضا من المفردات الهشة التي تخرج نصف دافئة نصف باردة نصف غامضة …
كيف تلفق امرأة موتا سريعا أقل إثارة مما تتوقع لشعور لا يعرف كيف يتسرب إلا في المساءات الماطرة. شعور اسمه ” الحنين” واقعا من اسمها متشظيا إلى أفكار وأغنيات … ترى هل تصمت أصوات الرغبة فينا كلما رفعنا صوت أم كلثوم أو صوت جاك برال …هل يمكن أن نتبنى صبرا ولو على سبيل المكابرة حين تبقى النافذة الزرقاء لوقت مغلقة ويصبح الوصول عبر خط هاتف مشابها لمصير من ارتادوا الموت عبر البحر …
إنها تمطر …
وحين يفعل كائن أنثوي ك ” الغيمة” أمرا كهذا علنا، ويوزع بكاءه واحتجاجه علنا، تستيقظ كيليوباترا في داخلي … تمطر أصابعي … تمطر حتى تتلف زرعك و مسافاتك و سماعات أذنيك…
تمطر أصابعي احتراقا، فدعنا نمضي معا إلى حافة البراكين هناك جنة حمراء لا تخدمها قطرات ماء ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى