قراءة في نصوص اليمني عبد الغني المخلافي
فاطمة شاوتي | شاعرة من المغرب
تغطية لأجندة تقوم على أيامها التسعة، تسرد أحداثها بوعيِ لحظاتها المُفارقةِ؛ والمتطابقةِ المكان والزمان، ينفتحان على مجموعة مشاعر، تؤرخُ لشهر له دلالته في وعيك ياصديقي..!
بين الشارع والورقة والوجه، يحضر الوطن بأوجاعك وأوجاعك تستدرجه من خلال معاناتك، إلى الخروج من زمنك؛ لأنك وحدك من تحمل الجثة في بياضك، وتحمل الوطن في وجهك، وتملأ بهما أوراقك لتثبت أنك ماتزال:
قيد شعر/
قيد إحساس/
بمعنى الحياة في زمن قتلها غدرا ياصديقي…!
إنها تِسْعُ قصائد في قصيدة…
تسْعُ حالات؛ لحالتك في وحدتها، تتجلى تعدديةُ أزمنتِها الخفيةِ…
تِسْعُ مفاتيحَ؛ تُحيلُك إلى أنك تقبضُ على جمْر القصيدة بِقَاتِ وعْيِك، ضدّ تحنيطٍ راهنٍ…
تِسْعُ تجلِّياتٌ لمونولوغٍ خاصٍّ بنَفَسِك الوجداني والشعري، هدفُها التحررُ من:
جثة الشارع/
جثة الورقة/
جثة الذات المحاصرة/
جثة الوطن/
رغم مقاومتِه موتَه…
جثة زمن /
تعكسه التِّسعُ سنواتٍ منذ الربيع الدامي، لِتصلَ بتُسَاعِيَاتك إلى مفتاحٍ، يُشكِّله المقطعُ العاشرُ، لم تكتبْهُ لكنك قلتَهُ ،من خلال مقاطع النص….
فهل سيتحقق الحلم ياعبد الغني… ؟!
إنه رهانُ هذه التِّسْعِ مقاطعَ /
التِّسْعِ مفاتيحَ /
فتكون القصيدة أنتَ؛ في صرخةٍ لإعادة النظر في ما تلتقطُه عيناك، بدقة التَّقمُّصِ…
نصٌّ مُفارقٌ للنصوصِ المتداولةِ؛
جيدُ الدلالةِ/
.وارفُ الفكرةِ/
مُتمَكِّنُ اللغةِ/
شدَّتْني منهجيتُه وعبثِيةُ الشهْر ،
كأنه إحالةٌ إلى شُبهة الأحداثِ، وعدمِ صِدْقِيتِها في الزمن العربي…
هو النص ذو رؤيةٍ تستشرفُ ذاتهاَ؛
من خلال ذاتِهِ ،ليكتب الشاعر حرقةَ الأسئلة…
لهذا اخترْتُه، ليكونَ موضوع إضاءةٍ تُنبِّه ذائقةَ الآخر، فلايكتفي بتسجيل إعجابه، بل يسعى ليحققَ توْأمةً نصّيةً،بتفاعلٍ رُؤْيَوِيٍّ لواقع مُتَشرْذِمٍ.. يَتوقُ النص /هذا النص…!
إلى أنْ يمسحَ عنه غبارَ أزمنةِ الصراع ليضيئَ العتمةَ ، وينفلتَ من عنُق الزجاجة…
لهذا يستحقُّ وقفةً تأمليةً، تُروِّضُ الفكرَ ليُقوِّض أساسياتٍ هشَّةً، في ضمير حربٍ لاضميرَ لها، في سياسةِ الإخوةِ الأعداءِ، يتحوَّلون بضغْط السياسة؛ومَكْرِها أيضا إلى الأعداءِ الإخوة…
حقل السياسة حقلُ ألغامٍ،
فلا صداقةَ دائمةٌ؛ كما لاعداوةَ دائمةٌ،
هي لعبةُ القط والفأر…
فمَنْ سيُعلِّقُ الجرسَ أولاً…! ؟
القطُّ أم الفأرُ… ؟
ومَنْ سيقْرِضُ الحبلَ قبل أن يَلْتفَّ على عُنقِه..! بل على أعناقِ الشعب.. ؟رقمٌ المعادلةِ الصعبةِ… ؟
ذاك مطلعُ أغنيةٍ مغربية :
“بْلَا عْدَاوَةْ مَاتْكُونْ مْحَبَّةْ…”
ف:
“أولُ ماقادَ المحبةَ بيننايابثينُ سبابُ.. .!!”
فتعالَوْا لتُعانقُوا اليمنَ تِسْعَ مراتٍ….! وتمْضغوا قاتَها تِسْعَ مضْغاتٍ…!
وتحتَسُوا قهوتَها العربيةَ تِسْعَ رَشْفاتٍ…!
وتقرؤُوا سورةَ النصرِ تسعَ قراءاتٍ…!
وتُحقِّقوا متعةَ الدهشةِ إدهاشًا تِسْعَ دوْخاتٍ…!
إنه النصُّ الإشكالُ /
النصُّ الحلُّ /
فشكرااا لك أيها اليمنيُّ السعيدُ شعراً..!
لولا الشعرُ كُنَّا انتحرْنا جميعاً؛ من مطْلعِ الربيع الأخضر،
حتَّى مطْلعِ الربيعِ الأحمرِ…
إليكم النص :
1- غرابة
الشارع جثة هامدة
وأنا أبحث عن جلبة
تعيد إليه الروح
وتوقظ فيه الصخب
وقصيدة بكامل أناقتها
تبتسم كحفيدي الصغير
بمجاز صدرها الكثيف
وعجيزتها المدهشة
تأخذني نحو
أحضان السماء ..
بعيدًا عن وُجوه المارَّة .
2 / 4 / 2021
2 – لهفة
أتساءل : متى سأملأ
ورقتي الفارغة
بأنواع البوح
وأجعلها طبقًا شهيًا
تسيل منها الدهشة
وتطوف بها الأعين..
يحتشد حولها الهواة
تضج بالحوارات
والمفارقات العجيبة
تصير ثورة
تحدث انقلابا عظيما.
11 /4/ 2021
3- وجه واحد
أحدثكم عن هذا المنسي
وراء غبار الوقت الجاثم
فريسة للضجر
والوحدة القاتلة
والفراغ المستبد
لا أنثى من صباحاتهِ تبزغ
لا قصيدة تراوده
لا غصن قات يسامره
لا أهل لا صديق
أيامه بوجهٍ واحد..
يستحضر الماضي
والأغنيات
والزمن المنصرم
يفتش عن وميضٍ بعيدٍ
خلف لمعان السراب
يرتقب الأحلام والقصائد
يتفحص النظرات
والإيقاع المتكرر
من نبض الشارع.
16 /4/ 2021
4- أُنْس
يقولون : مضى تاركًا
خلفه فُكاهات
وأحاديث شهية..
كان كالأغنيات
يخلق مرحًا واسعًا
ومسرات لا تنطفئ..
ثمة من يقتات عليها
و يأنس بصحبتها
في كآبة الليل .
18/ 4 / 2021
5- فقاعة
كان يبدو من بعيدٍ
كسماءٍ واسعةٍ
وكطودٍ عظيم
وكنت كلما اقتربت
تَضاءَلَ أكثر
وبدت صورته
دون تلك الصورة اللافتة ..
متكشفًا
عن رغوةِ صابونٍ
متبخرةٍ في الهواء.
20/ 4 / 2021
6 – أبواب مشرعة
نحو وطن تكفنه الأدخنة
وتكلله الآهات
أمد بصري
أستنطق القادم بروح مجهدة
وقلب مكلوم
أستجلب إلى وجهي
الابتسامات
أفرد وسط كثافة الألم
والغبار السائد أجنحتي
أطلق صوتي المتحشرج
بالغناء
والكلمات المحملة
ببريق الأمل
في موجات من العواصف
أشرع أبوابي للتغاريد .
23 / 4 / 2021
7- مواساة
لن تجد أحدًا يعيش
أوجاعك
و يقاسمك ملحها
أو يخفف من دموعك
وحدك إلى حد الثمالة
من يستقيها..
ثمة من يواسيك
و يربت على أحزانك
دون أن يلتفت
مرة أخرى .
25 / 4 / 2021
8 – زوابع
بأثقالِ وطنٍ
وأعباءِ غربةٍ أعود
أجر صوب مأواي حملي
ينتظرني الكثير من الزوابع
والأفكار المتباينة
تقيم معاركها الطاحنة
ورؤى تتزاحم
أسقط فريسةِ ظنونٍ
ووساوسٍ لا أستطيع دحرها
في مداري
يضطرم بحرًا من الأوهام
والتخيلات
أسفح المشاهد والصور
أمضي في حيطانٍ متصلبةٍ
وثيابٍ متدليةٍ
على المشاجبِ
استحضر حبيبة أو قصيدة
أسد غيابي بها.
28 / 4 /2021
9- مقارنة
مع هذه الهوام الزاحفة
أبدو مسحوقًا
يهبط أينما يشتهي الحمام
يبني أعشاشه حيثما يريد
يمارس غزله دون قيود
آه لو أطير ..
أهبط في فِناء حبيبتي
أطوف بالبساتين
والحدائق والضفاف
فوق هؤلاء القاطنين
كالتماثيل أحلق
على فروع الأشجار
أبني أعشاشي
لا أكترث بعاقبتي .
30/ 4 / 2021