كان قديما في بلادنا كورونا

سيد خاطر | مصر

إيمانا منا أن في التاريخ العظة والعبرة وفي قصص الأولين وحياة الأمم محطات يتوقف أمامها الإنسان ليعيد حساباته ، من أجل ذلك فكرت في كتابة تلك السطور خاصةً لما نراه اليوم من عدم مبالاة البعض بخطر ما نمر به وكذلك لما شاع بين الناس من الحرص على مصالحهم الخاصة دون النظر إلى غيرهم ، فراح كثيرُ من الناس يملأون بيوتهم بسلع لا قدر الله لو انتشر الفيروس لن تغنى عنهم شيئا ، والصراع اليوم بين المرض والعلم يختلف كثيراً عن تاريخ العصور الوسطى التى كان الغلبة فيها دوماً للطاعون فاليوم مع تقدم العلم قد تختلف الصورة لذا يجب أن نواجه الأمر بعقلية العصور الحديثة لا بعقلية قرون مضت مع التسليم لله في أول الأمر وآخره ، لذا دعونى احدثكم عن كورونا العصور الوسطى .

فى عام ٧٤٩هـ في أثناء فترة حكم السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون  المملوكى كان الوباء الذي لم تشهد بلاد الإسلام مثله ، فقد بدأ في فترة التخضير في خريف عام ٧٤٨هـ ولما أهل محرم  عام ٧٤٩هـ انتشر في الإقليم بأسره حتى كان يموت بالقاهرة ومصر (الفسطاط) في اليوم ما بين العشرة آلاف والعشرين ألف وصنعت التوابيت والدكك لتغسيل الموتى بغير أجرة وحُمل كثير من الموتى على الألواح والأبواب والسلالم وحفرت الحفائر لدفن الموتى فكان يدفن بالحفرة الواحدة الثلاثون والأربعون، وامتلأت المساجد والفنادق والطرق بجثث من ماتوا وعدمت بعض البلاد فمات كل سكانها فلم يُرفع فيها آذان.

وكان أهل البيت الواحد يموتون فلا يوجد لهم إلا نعش واحد يُحملون فيه على مراحل، وحصل الكثير من الناس على أموال ودور وأثاث لموت مستحقيها فلم تمهلهم الدنيا فسحة ليستمتعوا بها فلحقوا بأصحابها، بل يَروي من عاش تلك الأيام أن بعضهم مات وهو يرث وقصبة المساح (المتر) في يده، فزهد الناس فى المال وأعطوه الفقراء وانتظروا الآخرة. وعجز الناس عن ضم المحاصيل لموت الفلاحين فقد مات كثير منهم وفي أيديهم مناجل الحصاد.

وخرج الأمر عن الحد ووقع العجز عن العَدْو – لم يعد في استطاعة أحد أن يهرب – ويحكي المقريزى بأن القاهرة صارت مدينة أشباح فكان المار من باب زويلة في جنوب القاهرة إلى شمالها حتى يصل إلى باب النصر لا يرى من يزاحمه في مدينة عرفت طوال تاريخها بكثرة سكانها.

ولم يكن الطاعون بمصر فقط بل كان يعم الأرض شرقا وغرباً وشمالاً وجنوبا، حتى أن السفينة كانت تمر بجزائر البحر على بلاد الأفرنج فلا تجد بها أحدا ، وإن وجدت كانوا يدعونهم لأخذ البضائع بلا ثمن، وكانت السفينة تصل إلى الإسكندرية وقد مات معظم طاقمها وسرعان ما يموت من تبقى من طاقمها .

وبعد أن أظلمت الدنيا وأدرك الإنسان ضعفه لجأ كعادته إلى ربه فُروي أن رجلا جاء إلى قاضي دمشق تقي الدين السبكي وأخبره أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقع الفناء وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يبلغ الناس بأن يقرأوا سورة نوح ثلاثة آلاف وثلاثمائة وستين مرة وأن يسألوا الله أن يرفع عنهم ما هم فيه، فجمع القاضى الناس فى المساجد وقرأوا نوح وتضرعوا إلى الله وتابوا من ذنوبهم وذبحوا أبقارا وأغناما كثيرة للفقراء مدة سبعة أيام واجتمع الناس بصبيانهم الصغار لقراءة البخاري  والفناء كل يوم يتناقص حتى زال.

اللهم لا ملجأ منك إلا إليك فارفع عنا ما نحن فيه، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء وسيء الاسقام، اللهم إن ضعفنا لا يخفى عليك فكن  بنا رحيماً فأنت أهل الرحمة والمغفرة .

 

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى