رعاية فلذات الأكباد
بدرية بنت حمد السيابية | كاتبة عمانية
يقول الله تعالى في سورة الكهف (آية: 46): {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}، كل شيء في هذا الكون لم يخلق عبثا ولا صدفة فخلق الله الإنسان ليعمر الأرض بالخير، وأن يحرك حواسه وخاصة عقله ليفكر ويتأمل في كل ما خلقه الله، ليدرك بأن الله سبحانه وتعالى يستحق العبادة، وأن لا إله غيره ولاشريك له، تسبح له المخلوقات.
فمن نعم الله على الإنسان هو إنجاب الذرية الصالحة فيرزقه الله بمولود أو مولودة تسعد قلبه، ليحمل اسمه بكل حب وفخر وسعادة، تعلو نبضات قلبه ويرى إبنه يكبر أمام عيناه، فينطق اسم “بابا “، ليبتسم له والديه، فيحملونه بحنان وعطف بقلوبهم، فيخطو أولى خطواته ليصفق من حوله فرحين، يسقط تارة وينهض تارة، وتستمر خطواته تصاعداً إلى تمكنه للمشي والجري بإذن الله تعالى.
تمر السنوات ويكبر الطفل، ويصبح شاباً يعتمد على نفسه، ولكن مع التطور التكنولوجي المعاصر أصبح هناك صعوبة في السيطرة على من أفرد جناحية يعلو بدون حسيب ولا رقيب، وأصبحت الحرية المطلقة لديهم بسهولة ينتقل بين هنا وهناك لتسيطر عليه أفكار دخيلة وغريبة، ومخيفة نفس الوقت؛ لتهلك فكر هؤلاء الشباب، وتصل لعقولهم بسلاسة، لتتمركز في محاور حياتهم وتبرمج مسارات عكسية دون تحديد هدف أو مسار يستقر عليه.
نعم للتطور لا أخالف ذلك، وكلٌ منا يسعى لتحقيق رغبات أبناءه دون تقصير، ولكن لابد من وجود المراقبة لما يدور من حولهم، واحتواءهم قدر المستطاع لنيل ثقتهم، نسأل عنهم بين الحين والآخر، من هم أصدقائهم، كيف هو أسلوبهم وحوارهم مع من يصادفهم، عند خروج الأبناء من المنزل فتضع علامة استفهام كبيرة، فتجد الأفكار تتراقص في مخيلتك وسؤال يجر سؤال، ياترى ماذا يفعل في هذا الوقت المتأخر، فتجلس في حيرة تكاد تقبض نبضات قلبك، وعند وصوله للمنزل تتهافت عليه الأسئلة من كل صوب كمن يرمي الرصاص على هدف ما.
أصبح هذا الجيل غير متوازن في اتخاذ بعض القرارات، فتجد من يستهين بمن ينصحهم بالخير ويكون ردهم بعض الأحيان غير لائق، فتتركه في حال سبيله وكأنك تقول لا فائدة في الحديث معه، ويجب تحرّي البيئة الصالحة التي يختلط بها الأبناء؛ سواءً في البيت أو الشارع أو المدرسة، والأفضل وضع الأولاد في بيئات تعظّم الدين وشعائر الإسلام، وتغرس فيهم قيم الحشمة والحياء.
علينا أن نغرس في قلوبهم منذ الصغر الوازع الديني، وحبهم للخير وخوفهم من الله، وأن الله يراهم في السر والعلن، أصبحنا في زمن السرعة والتطور، فالجميع يمتلك ما يسمى “الجوال” متوسط الحجم، فيه الكثير من التقنيات الحديثة وسهولة استخدامه يجوب حول العالم، لذلك لابد الإنتباه من هذا الجهاز، ومراقبة مستخدميه من قبل الأبناء، فهو يسرق وقتهم وصحتهم وهم في غفله من أمرهم، وناهيك عن بعض معاملة الأبناء اتجاة آبائهم من حيث الصراخ في وجوه من هم أكبر منهم، وعدم الإنصات للنصائح، ومصاحبة أصدقاء السوء وجرهم وسط مهالك الحياة، وانخراطهم في سلوكيات غير مقبولة وغير مشرفة.
الأبناء هم أمانة وهبها الله لتكون نفعاً وخيراً في هذه الحياة، تربى إبنك على طاعة الله منذ الصغر، ارسم له طريق النجاح، وحدد أهداف إيجابية يعلو بها وتكون مصاحبة له طوال مسيرته، لنعلمهم بأن الجد هو الأب الكبير الحنون، والعم والخال هم بمثابة الأب، والعمة والخالة هن بمثابة الأم، وأن يختار أصدقاء صالحين سواء في البيئة المدرسية أو المجتمع بشكل عام، احتواء الأبناء واجب على كل أم وأب، لا تتركهم في مهب الريح حتى لا تعصف بهم الحياة إلى شيء مجهول لايعلمه إلا الله، فالتربية السليمة وغرس المبادىء الحسنة والسلوك القيم منذ الصغر له أثر كبير عليهم عند كبرهم.