وداعا مالك الصغيري، وداعا أيها المناضل الجذري، وداعا أيها البطل
د. زهير الخويلدي
هذا نص التأبين كاملا: باسمي وباسم الهيئة المديرة لمنتدى الجاحظ أتقدم لأسرتك الكريمة بخالص المواساة والتعازي، رحمك الله إلى جنة الخلد أيها الأبي إلى مقام أرفع من هذا العالم التافه إلى السمو والأبدية يا غالي
“باسم الرافعين رؤوسهم فوق السيوف. باسم الصانعين من السيوف مناجل ” –مالك الصغيري
غادرنا أعز شباب الثورة وأكثرهم بذلا وعطاء المناضل الجذري مالك صغيري الناشط منذ أكثر من عقدين في الفضاء المواطني في تونس والمساهم بصورة ملموسة في نجاح ثورة الحرية والكرامة في كنس الظلم.
غادرنا وهو يحاول إنقاذ صديقه من الغرق بعد نذر حياته محاولا انقاذ الوطن من براثن الفساد والاستبداد مقدما أروع درس في التضحية بالنفس ونكران الذات وحب الغير والايمان بالإنسانية والأخلاق الثورية.
كان يوم الخميس 10 جوان 2021 يوما عصيبا علينا عند تلقي خبر ملحمته البطولية ونضاله من أجل الحياة ولقد كنت فخورا دوما بنشاطه وببطولاته ولكن شعرت بمرارة الفقد وانقطاع الذكر وصعوبة فراقه الى الأبد.
لقد انخرط مالك في النضال الوطني من أجل التحرر السياسي والاجتماعي والثقافي الحقيقي وليس النضال المصطنع ومدفوع الثمن وكنت أشعر انه يمثلني في كل تحرك وكل موقف وكل كلمة وكنت اسانده واعتبره اخي الأصغر أو ابني الذي لم أنجبه. لقد كان مالك يحب العراق وفلسطين ومناهضا للتطبيع ودعاني ذات مرة لحضور لقاء مع شاعر القدس تميم البرغوثي الذي استقبل في تونس بعد الثورة وأكرم القضية بدعوته.
مشاركته الفاعلة في تجربة مانيش مسامح كشفت عن وعيه بالفرز الموضوعي وانحيازه التام للخط الوطني المقاوم وتجربته الثقافية في منتدى الجاحظ كانت ممهدة لتجربته السياسية في الحزب الديمقراطي التقدمي ومكملة لإشعاعه النقابي في اتحاد الطلبة و كان له الموقف النقابي والتحليل السياسي و النظرة الاكاديمية والتجذر الحضاري و الطموح الاممي و كان جاحظيا إلى حد التأدب بالاعتزال وكانت لجنة الشباب هي الحاضنة الثورية وكان هو الناطق الرسمي وكان يدافع عن مطالبنا في اتحاد الطلبة وكنا ندافع على مطالبه في نقابة التعليم و لقد كان مثقفا عضويا في زمن الاستبداد ومناضلا جذريا في زمن الترضيات المغشوشة.
لم يكن مالك خطيا ولا تمييزيا على أساس اللون الأيديولوجي كان رفاقيا جذريا يؤمن بالكتلة التاريخية والموقف الوطني الجامع وكان يؤمن بأن البحث عن أرضية مشتركة للعمل الثوري يكون بإطلاق شبكة الاستحقاق المدني بالتخلص من بقايا الاستبداد والارتداد والافساد وكنس لوبيات المال والأمن والاعلام.
كان يحلم بالجيل العربي الجديد والثورة الدائمة ولقد وصلت به الجرأة الثورية ان سعى إلى نقل المعركة مع الكمبرادور الي خارج تونس وزار بعد الثورة بعض الدول العربية وتعرض للقمع والتوقيف والسجن هناك.
كان يرى بأن الحل الوحيد للمقاومة عند انسداد الآفاق وانعدام الأمل هو العصيان المدني واستكمال الثورة.
كنت سعيدا بحضور مناقشة مالك لمذكرة البحث عند التخرج التي انجزها عن مؤسسة سيراس بدار المعلمين العليا بقسم التاريخ يومها لم اكن املك سيارة وكنت أشتغل واخذت تاكسي على عجل وحرصت على تشجيعه.
كان مالك يفتخر بأنه من تالة بلد الشهداء والحرار وأنه من الثائر سلالة علي بن غذاهم ومنحدر من الفلاقة ولذلك تربى في عائلة وطنية معارضة للنظام الشمولي وكان بطبعه معاديا للسلطة والبيروقراطية في كل قمة.
كان يطالب بتكوين حزب الثورة وأن ما يجب أن يكون بديلا عن منظومة الفشل والفساد والتوافقات المغشوشة هم المتشبثين بمسار الثورة ومناضليها الأبرار وليسوا الداعين إلى العودة لما قبلها واسترجاع سيستام استبداد.
هذه مجرد كلمات كلمات تأبينية لأسد الجيل الجديد رمز الجناح الطلابي للثورة التونسية مالك الصغيري لا تفي بحجمه ولا تكفي لتذكر سيرته الناصعة وتجاربه المتنوعة ومواقفه الملتزمة ولا تفي بمنجزه الثوري.
اي درس للبطولة عند الرحيل اذ لا يزال الطريق طويلا ولا يزال للحلم سبيلا لقد انتصرت بالتضحية من أجل المبدأ على الرغبة في البقاء بالمعنى النفعي وحزمت الحياة الثكن وارتقيت الى العلا حاملا باقات المحبة ولم تدخر جهدا لعزة هذا الوطن ولم تساوم ولو لحظة واحدة على الحرية ولم تهادن ولم تنفاق من أجل مصلحة.
كان يردد دوما “كلما اشتد القمع اشتد الوعي”. خالص المواساة والتعازي للصديق والمناضل الوطني في زمن الجمر الصادق الصغيري، رحم الله ابنه مالك رحمة واسعة وأنعم عليه بالجنة والمطلوب هو تنظيم جنازة وطنية تليق بمقامه ونضالاته وتضحياته وتكريم لأسرته المقاومة وتوثيق لسيرته النضالية الجذرية النيرة. ومن من يريد أن يسير على خطى مالك الصغيري فليكمل معركته مع الاستبداد والارتداد والفساد والتبديد.