قراءة في نصوص الأمسية الرابعة بملتقى قصيدة النثر العربية
د. أمجد ريان | شاعر وناقد مصري
سعدت بمشاركتي في الأمسية الرابعة بملتقى قصيدة النثر العربية في رحاب المنتدي العربي الأوربي للسينما والمسرح والتي عقدت مساء الجمعة الثامن عشر من يونيو وبحضور عددا من المشاركات والمشاركين من شعراء ونقاد وإدارة حميد عقبي منظم هذا الملتقى المهم والزاخر بالجمال.
وإليكم قراءة مختصرة حول بعض النصوص وأود القول إن النصوص المشاركة جميعاً جديرة با لإعجاب والقراءة والتأمل.
وإن كانت بعض النصوص لازالت خاضعة للتصورات الجمالية التي صارت ــ لفرط تكرارها ــ تقليدية ، من مثل تعمد إيراد الصور الشعرية الجمالية الحادة بمفهومها التقليدي الاستعاري الذي قد يبعد النصوص قليلاً عن رائحة الحياة الواقعية الفعلية المعيشة :
اسجدُ على ملحِ الماء.
اتهجدُ زفراتِ لؤلؤةٍ
خُلِقَتْ…
قبلَ الكونِ
قبلَ ثرثرةِ الأساطيرِ
على صهيلِ الموجِ ــــ ندى محمد أبوشاويش.
°°°
ولازال بعض الشعراء يتعمدون رصّ الصور البلاغية المتتالية والمبالغة في (تزيين جدار المجاز) مما يشكل ازدحاماً جمالياً قد يربك المتلقي ويشغله عن الرسالة التي يريد الشاعر أن يوصلها :
يكنسُ الوقتَ المتطفّلَ
عن قعرِ الزّمانِ
يحدّثني عن نهايةِ الزّقاقِ
المزدحمِ بالخوفِ والخفافيشِ
وأرجلِ الطفولةِ
وارتفاعِ منسوبِ المجهولِ ـــ إخلاص فرنسيس
°°°
ولكن بالتأكيد حين تخفف الشاعرة من هذه الجماليات الحادة المسنونة التي تصل في كثير من الأحيان إلى حالة من الغموض الذي يدفع المتلقي إلى الهرب ، وعدم القدرة على مواصلة القراءة ، وإذا حدث هذا فإن الحالة الشعرية تكون أفضل.
وحينئذ تزدهي الكتابة بجمال خاص ، هو الجمال الذي يميز الشعرية منذ بداية التاريخ ، وعلى أساسه قامت دراسات وعلوم عديدة تدرس أسرار الجمال الشعري بين الواقع والخيال. وتصبح للشعر جاذبية فيطرح كل قضايا العصر من داخل قوانين الإبداع الشعرية :
تقف خلف القضبان
و تطلق للفكرة العنان
تقف بالزقاق
وتترك السطر .. يخطط شوارع المدينة
تحرك المشهد بأصابعها خلف الستار
وتتركهم يراقصون الماريونيت ــــــ رولآ العمري
°°
غريبتان نعتِقُ الشمس في بحرِك
فتثملُ المسافةِ ويدنو زحل
غريبتان انا ويافا نطير على أجنحةِ الأملِ. ـــــ ندى محمد أبوشاويش
.°°°
أُؤمِنُ بِهِ
كإيمَانِي بِالقَدَرِ والمَلَائِكَةِ وَقَضَايَا الثَّورَةِ.
هُوَ رَجُلُ المَسَافَاتِ الطويلة .
هُوَ رَجُلُ الإحتِمَالَاتِ المُستَحِيلِة ــــــ ميديا عدنان حمدوش
°°°
وهناك بعض النصوص التي تحققت فيها ملامح التصور الجديد للكتابة من حيث متابعة قضايا الواقع الفكرية ، ومعالجة الحاجات الإنسانية الملحة باعتبار أن : المشهد الثقافى هو جزء حميم من المشهد الاجتماعى فى الواقع ومتابعة قضايا الواقع الفكرية تتطلب من المرء أن يكون صاحب مواقف متمردة على القبح والتخلف واستتباب الأوضاع الرجعية، وبرغم أن هذه المواقف ينبغي أن تكون واضحة جلية ، إلا أنها يجب أن تكون مصاغة من داخل قوانين الشعر الجمالية الخاصة ومن أهم النصوص التي حملت في تكوينها ورؤيتها هذه التصورات نصوص الشاعرات : أمينة عبد الله ، و هناء المريِّض ، و نجود القاضي . وإن كانت هناك درجات أقل من تحقق هذه الفرضية في كل النصوص المشاركة في الأمسية .
تطرح الشاعرة أمينة عبدالله قضية القهر الذكورى للمرأة والذي استمر على فترات تاريخية حتى اليوم ، وهو القهر الذي تبدى عند كل الرجال : الأب ، والزوج ، والإبن ، أو حتى زوج البنت، فالرجال حميعاً تربوا فوق تربة القيم والتقاليد البالية .
وقد حددت الشاعرة معالم الوجود الأنثوي من خلال : (الختان، غشاء البكارة ، الحيض ، الحمل ، الولادة ، الرضاعة) وبدلاً من أن تكون هذه المعطيات رمز فخر للمرأة التي تقدم للمجتمع أجيالاً من الأبناء والأحفاد الذين يحملون رسالة التطور الآدمي، تتحول هذه المعطيات إلى سبة أو اتهام للمرأة يقلل من قيمة عطائها الحقيي في الحياة.
ويبقى الرجل عدوانياً قاسياً خائناً لايحنو على المرأة ولا يتذكرها إلا في لحظات الجنس التي لاتعبر إلا عن أنانيته وطمعه .
وبرغم أن الشاعرة طرجت كل هذه الأفكار والقضايا ، لكنها لم تسقط في المباشرة ولم تتخل عن الشعرية في كل سطر من سطور قصيدتها :
كل ما هو باعث للحياة أنثوي
حتى ماء الرجال بصفته المائية
ولونه النسوي
أنثوي ــ أمينة عبد الله
°°°
وفي نص رائع للشاعرة هناء المريّض تبرر مفهوم الكتابة وتطرح أفكاراً شعرية فائقة عن معنى الكتابة على امتداد نصها .
أكتبُ…
لأنكَ لن تتمكن أن تقاطعني
سيقرأني سِواك…
ويُسِيء فهمي سِواك
وأخلُقُ لكَ بذلكَ في رَحِمِ الأعذارِ توائِم ــ هناء المريِّض
والشاعرة نجود القاضي تقدم معنى “الحب” ، موزعاً على نصها :
ثمة حبٌ يطيل التأمل في موجةٍ ضالة
حبٌ معلقٌ من لسانه
يحدق في العاصفة
يحدق فيه قراصنةٌ بعينٍ واحدة .ـــــ نجود القاضي