الحدّ الفاصل

بقلم: خالد جمعة

حتى ذلك الأهبل الذي كان يزمّر ليل نهار في حارتنا، كان جزءاً من الوطن، دعاء جارتنا على أولادها كذلك، وطيبة بائع الترمس الذي كان يعطينا أحياناً دون مقابل، لم يكن لدينا أي تناقض في أرواحنا، هنا الوطن، وهناك العدو، والمسافة بينهما واضحة، في أحلامنا يأتي الوطن أبيض والعدو أسود، لا حاجة لأحد أن يشرح لنا شيئاً، ومع أننا كنا صغاراً أكثر مما يجب على الفهم، إلا أننا كنا نعرف أن الجندي حين يمد إلينا حبة “الطوفي” علينا أن لا نأخذها منه، لم يقل لنا أحد لا تأخذوها، كنا نرفضها بدافع لا نعيه، لأن الخط الفاصل بين الوطن والعدو كان واضحاً، بالضبط كالفرق بين حضن أمك، وأنياب الكلب المسعور في خرابات الحارة، واضح تماماً، هذا دافئ، وهذا مرعب…

اليوم، تقلقني أسئلة الأولاد الذين ولدوا في زمن اختفى فيه ذلك الخط الذي يفصل البياض عن السواد، أسئلتهم مشروعة، لكنها بلا إجابات، إنها تشبه بالضبط أسئلة الأطفال عن الأماكن التي يذهب إليها الميتون، وأسئلة العجائز عن الهزيمة مع كل هذا الدعاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى