يوميات مغترب

عبد الغني المخلافي | اليمن 

أتصلُ منذ الأمس بأخي المسافر
أستشف شدة الألم وآثار الإرهاق
في نبرات صوته .رحلته طويلة ومتعبة .
يخامرني شعور بالارتياح بعدم العودة إلى الأهل وحضور زواج ابنتي وقضاء فترة العيد وبقية شهر شوال .

يفترض أكون أنهيت إجازتي وطفقتُ عائدًا مع أخي .

يالقسوة الرحيل ومرارة الغياب .
نتعب طويلاً لنستنشق قليلاً من السعادة .ثم نستأنف الشقاء
الذي كتب علينا منذ بداية الخلق.

عشرون عامًا ونحن نتحين الوقت الأنسب للعودة والاستقرار في الوطن.. قضت الحرب على أي أمل في العيش بهناء وكرامة .
والظروف تصعبت في الغربة و أَمْسى مصيرنا غامضًا و مجهولًا .
بالكاد نلتقط الأنفاس .

ثمة بقالة وحيدة في الحي تبقى أبوابها مفتوحة إلى ساعة متأخرة من الليل .أحتاج أن آخذ حاجتي منها، وأعود مسرعاً إلى مسكني، متخذاً طريقًا يجنبني الوقوع في مواجهة سيارات الشرطة، بفعل إقامتي المنتهية ،وأنا غير مستعد أن أبيت ليلة واحدة بين جدران الحجز ،و يُذهَبُ صباحًا بي خلف قضبان سجن الترحيل .وأعود مرحلاً بعد اغترابي الطويل .

ثمة أفكار منذ بداية هذا المساء، تتوالد وتختمر في جمجمتي ،وعلي بكل تركيز وهدوء إلى جهازي المحمول إنزالها. جهازي الذي في أعماقه الرقمية يحتوي أثمن جواهر المعرفة والفن..
من جعلني هكذا دون قريب أو صديق أعيش ،في غرفة صغيرة ، يشبه حجمها شكل القبر .القبر الذي تنمحي حيطانه وينفتح سقفه على سماء زرقاء بلا حدود .

ماذا لو قبل عشرين عاماً هنا تركت بمفردي ، هل كنت سأحتمل؟ .

وأنا أسكن مع أبناء عمومتي أدخل في مزاج نفسي سيء ،بعد شهرين من غربتي الأولى، وأتمنى مشكلة تحدث ،وتكون سببًا مباشرًا في عودتي إلى أرض الوطن.

كنت فقط محتاجاً إلى ترويض طباعي النزقة وغير القابلة للركون إلى العزلة والاستكانة.وأرجع تقبل وضعي هذا بحب ومتعة إلى القراءة والكتابة التي خلقت من شخصي الاجتماعي كائناً متوحداً.

أقرأ وأكتب، وأستمتع بالموسيقى و مراجعة ماكتبت من النصوص ، والجلوس إلى نصوص الأصدقاء على صفحة “الفيس بوك” والرد على تعليقاتهم .

وإصغائي إلى أسئلة منبثقة وصور وأخيلة متواردة.

وانزعاجي عند إهدار ليلتي وسط منعطفات ودهاليز شبكة الإنترنت .

وجهازي بأنواع مختلفة من كتب الأدب والشعر، والفلسفة والفكر يكتظ .

تستهويني الرواية العالمية المتحررة من مناهج و ضوابط ومحاذير الرواية العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى