شهادة ” التويفل” والعُقم الإداري !
صبري الموجي | نائب رئيس التحرير
لا يُمكن لذي بصر أن يجحد ما تحتله جامعة عين شمس من مكانة مرموقة بين الجامعات المصرية بل والعربية والعالمية أيضا؛ بفضل ما تضمُه من نخبة متميزة من العلماء والأكاديميين الذين يشار إليهم بالبنان علما وخبرة، فهما ودراية، وهو ما أهلهم ليتسنموا أرفع الأماكن في شتي الجامعات شرقا وغربا، بل ويفد إليهم الطلاب لينالوا من وافر علمهم من كل فج عميق .
وإن كان الأمرُ كذلك، فإن ثمة ملاحظة لا تنتقص من مكانة تلك الجامعة العريقة، أو مكانة أساتذتها، بل هي صيحة تنبيه أدوي بها عسي أن يلتفت إليها صناعُ القرار ، لتظل تلك الجامعة مُحتفظة بدور الريادة والتميز .
تلك الملاحظة تتعلق بشهادة ” التويفل”، والتي إن كانت كلُ الجامعات جعلت الحصول عليها شرطا لتسجيل درجتي الماجستير والدكتوراه، فإن جامعة عين شمس بالغت في هذا الشرط؛ بأن ألزمت الباحثين بالحصول علي تلك الشهادة من مركز الخدمة العامة بجامعة عين شمس نفسها، ورفضها من أي جامعة أو معهد، مهما كانت سمعته أو كفاءته !
وهو ما فيه تعطيلٌ لمسيرة البحث، وتفويتُ فرص التسجيل علي كثير من الباحثين الوافدين من محافظات نائية، وقاطني محافظات الصعيد؛ لأن اجتياز الامتحان يتطلب الاشتراك في دورة لمدة أسبوعين، يتدرب فيها الباحث علي كيفية الإجابة عن أسئلة الامتحان، وهذا فيه كثيرٌ من المشقة المالية والبدنية علي الفئة سالفة الذكر .. والسؤال : لماذا لا تُخفف جامعة عين شمس من غلوائها في هذا الشرط التعسفي، وتقبل شهادات المعاهد والجامعات الأخري المُعترف بها، مثلما تقبل تلك الجامعات شهاداتها؟
ولو افترضنا أن تشديدها علي ذلك الشرط بغرض ضخ موارد مالية للجامعة – لأنه من المستحيل أن يكون بسبب أنها لا تثق بكفاءة الجامعات الأخري – فيمكن أن تبحث عن حلول أخري لا تعوق حركة البحث بأن ترفع مثلا “رسوم” الالتحاق بالدراسات العليا، بما يُعوضُ حرمانها من عائد الحصول علي شهادة ” التويفل”.
وثمة ملاحظة ثانية وقعت في فخها جامعة عين شمس كبقية الجامعات، وهي إلزامُ كل الباحثين بالحصول علي تلك الشهادة، سواء كانت لهم صلة باللغة الإنجليزية أو لا !
وهذا لا يعني تهميش تلك اللغة التي تُمكننا من الاطلاع علي أحدث الأبحاث العالمية المكتوبة بها؛ باعتبارها لغة البحث العلمي الأم، ولكن يعني أن يأخذ كلُ باحث منها ما يُناسبه، فليس عدلا أن نفرض علي باحث الطب والهندسة والعلوم الحيوية نفس ما نفرضه علي باحث اللغة العربية، الذي يُطالب بنفس المنهج ويدرس نفس المقرر !
والقول بأن تعلم الإنجليزية والتمكن منها ضرورة من ضرورات البحث العلمي لمواكبة التطور، يجعلني أهمس في أذن المسئولين عن التعليم العالي قائلا : أيُ فائدة يجنيها الباحثُ من اجتياز امتحان ” التويفل” والذي يتدرب قبله – عن طريق دورة لمدة أسبوعين مدفوعة الأجر – علي حل النماذج المعروفة مُسبقا بطريقة آلية تعتمد علي التكرار وليس فهم القطع والمفردات !
إن تطوير التعليم يا سادة لا يعني الاستمساك بأفكار لا جدوي فعلية منها سوي – الكسب المادي – بل بابتكار أساليب وطرق تُعطي كل باحث ما يكفيه وينفعه !