قطعة سكر
هند خضر | سوريا
تخيل معي لون الصباح و طعمه إذا كان خالياً من وجهك ابتسامتك، عينيك، صوتك، عطرك، خطواتك الهادئة، وحتى ذاك الدخان المتصاعد من سيجارتك الذي يشق طريقه إليّ من أنفاسك الشهية الممزوجة بالليمون؟
في وصف وجهك تهت حائرة، حاولت أن أستنطق الكلمات التي أدونها لك على الورق عساها تكون خير مرسل لك، فكما تعلم انعقاد لساني عند رؤيتك يعيقني اضطراب جوارحي فأقع في فخ الصمت، ترتطم عاطفتي بالواقع و تبوء محاولاتي بالفشل ..
ولهذا ..و رغماً عن أصابعي النازفة سأصف ذاك الوجه الذي حُفِرت ملامحه في مخيلتي، وجهك ما إن أطلّ على الدنيا جلب معه شمس الصباح المختبئة خشية أن تشرق فيتزاحم نوره مع نورها، وجهك كرغيف خبز مصنوع للتو شهي للغاية ..
إنه كقطعة سكر ذابت في قلبي ذوباناً كاملاً ابتهجت معها أساريري و وصل الطعم الحلو إلى شفاهي تماماً كما تذوب في كأس شاي أو كوب قهوة فتمنحه حلاوتها ..
آه ما أنبلها قطعة السكر!
الوضع خطير جداً فوجهك أغنية، والأغنية تدور في رأسي طوال الوقت وماذا أقول في وجه رسمت تفاصيله على وريقات العمر فاخضوضرت به ؟!
في مطلع كل يوم تبدأ حكايتي مع وجهك أتأمله مطولاً كي أحظى بتلك الابتسامة الفاتنة، ابتسامتك تُخرجني من قوقعتي ،من بئر أفكاري السوداوية و من عتمتي فتولد فرحتي من رحم الأحزان، تتدحرج معها مأساتي الكروية، ابتسامتك جواز سفري إلى أقاصي بقاع الأرض، أصل معها إلى بلاد العجائب، بلاد فيها السلام الداخلي والهدوء الروحي، بلاد تنحني فيها سعفات النخيل لثغرك البسام، فيها كل ما أحتاجه لأشعر أنني أمسك العالم بين أصابعي ، تلك الابتسامة تتسلل إلى عقلي وتكاد أن تفقدني صوابي، تتغلغل في مسامات جسدي وتستقر تحتها ، تزحف في مفاصلي و تتمكن من أنوثتي الطاغية، ابتسامتك مقام موسيقي فريد أعشقه، ترافقني في سفري عيناك اللتان قدمتا لي الحب في كأس لنرفعه بأيدينا ونشرب نخبه ، في عينيك لغة لم يجيدها شخص سواي، لغة علمتني الحب و فنونه، أغرقتني بالغزل وجنونه، قرأت في تلك العينين روايات عن الهوى لم يقع في متناول يدي مثيل لها، كنت دائماً و مازلت أقرأها بشغف ..
عيناك تشبه الانتفاضة إلى حد بعيد ولكنها الانتفاضة التي ستقلب العالم في داخلي ..
عيناك قمري ما إن اشتد الظلام حولي ..
عيناك سفني ما إن اشتد الطوفان بي ..
عيناك فيهما من السحر ما يكفي لأقول ليل نهار سبحان المعبود ..ما إن تنطق بكلمة حتى يصل صدى صوتك عبر الأثير فتحدث ثورة من الإحساس في أعماقي ..
صوتك ..آه و ألف آه من هذا الصوت المتسلل من قصبة ناي ويستقر في حنجرتك ليصبح معزوفتي المفضلة، صوتك الموسيقا الوحيدة التي أودّ سماعها باستمرار، أهوى سماعه عندما يشق الفجر خيوطه الأولى ليعلن تباشير يوم جديد كي يزهر يومي و أتوق إليه عندما ينام الكون و تصحو النجوم لتعلن هيجانها و قلقها كي أغفو بسلام ..
صوتك ما إن سمعته رحلت معه و عبر طبقاته المخملية إلى عوالم هادئة خالية من الضجيج، عوالم تخصنا أنت وأنا و تنفصل عن عالمنا هذا ..
صوتك قيثارة لحنها عشق أسطوري عُزفت لي وحدي من بين إناث الأرض ، صوتك نغم يشعل الحنين بداخلي لأيام ماضية غفوتُ عليه كطفلة تعثر نومها و من ثم سمعت أغنية هادئة فنامت ..
صوتك يبعثرني، يجمعني، يأخذني، يعيدني و يعانقني ..
أتساءل: هل صوتك فيه سحر أم أن أذني عاشقة؟
من فضلك تذكرني كلما تكلمت و قل لنفسك: كم تحب صوتي!
ما الدنيا إلا شمة عطر تهب من صوبك نحوي، عطرك الفتّان الذي استولى على أنفاسي حتى امتزجت به فأغمضت عيوني واستنشقته بحب ، دخل إلى رئتي العاشقة فتوردت و أزهرت و غدوت أتنفس منه كي أحيا،
عطرك الذي تنثره على عنقك يفتح لي أبواباً من الذكريات جمعتني بك، فهو في ذاكرتي و هو أكثر الحواس إجراماً عندما يداهمني الشوق و يقودني الحنين إليك ..
يفوح عطرك الفريد ليتخرق لهفتي عندما تمشي بخطوات هادئة، و كأنك تسير في مدخل قلبي حافي القدمين، تركض، ترقص و تفعل ما يحلو لك ..
على وقع خطواتك يفزّ قلبي من نومه ، يهرول مسرعاً، يخطر لي أن أتبعك، ألاحق خطواتك أينما تذهب، حتى لو بعدت المسافة لا يهم طالما أنني سأصل إليك حيث أنت و أعانقك ، أمسك يدك فتتحد خطوط أيدينا مع بعضها، في يدك الأخرى ،بين السبابة والوسطى تشعل سيجارة وتضعها بين شفاهك ، يتصاعد الدخان من سيجارتك ليلتقي بدخان كثيف يتصاعد من قلبي، إنه الدخان الذي أضرمته تلك السيجارة في داخلي ..
أعود بذاكرتي إلى الوراء قليلاً ،ذات مرة قلت لك: أريدك أن تشعل لي سيجارة، و أنا لست من محبيها و لكن كي أشاركك متعة تدخينها ..أتتذكر ذلك؟
و الآن بالله عليك كيف لي أن أحتمل غيابك عن صباحي و أنت بهذا الحُسن و الجمال يا قطعة السكر؟ !
أنا و قهوتي الصباحية ننتظرك يومياً عند نافذة الأمل .