قراءة في رواية ( مصائر ) للكاتب الفلسطيني ربعي المدهون
حسن إبراهيمي | ناقد وأديب من المغرب
لقد تعددت الأسئلة التي طرحتها رواية تحت عنوان مصائر لكاتبها الفلسطيني ربعي المدهون، وبما أن هذه الأسئلة متشعبة فسوف أقتصر على طرح البعض منها في هذه المقالة، محاولا الإجابة عنها وفقا للسياق التاريخي لتطور وعي بعض الشخصيات، ولسيرورة الأحداث المتعلقة بها كما جاء في الرواية.
من هذا المنطلق سوف أتناول في البداية سبب مجيء بعض الشخصيات بأسماء أجنبية, إنجليزية, ويهودية، لقد جاءت أسماء هذه الشخصيات إلى جانب أسماء شخصيات عربية أجنبية.
قد يعود السبب في ذلك إلى رغبة السارد في تقديم إشارات ينبغي تلقفها منذ البداية حول الاستعمار الانجليزي لفلسطين ,وما تلاه من استعمار صهيوني لنفس البلد .وما خلفه كل منهما من دمار, وويلات أثرت كثيرا في نفوس الشعب الفلسطيني عبر السيرورة التاريخية لهذين الاستعمارين. من خلال تنفيذ سياسات أودت بحياة العديد من المواطنين الفلسطينيين. حيث مازال التاريخ يشهد على هذه الجرائم التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني من أجل ضم المزيد من الأرض للكيان الصهيوني.
من جهة أخرى نود أن نشير إلى سؤال السياحة كما جاء بهذا المتن ,ونعتقد بأن السبب قد يعود إلى كون السارد يود طرح مسألة أساسية على ألسنة بعض الشخصيات الروائية ,ويتعلق الأمر بالرغبة في فتح نقاش حول عائدات السياحة الفلسطينية, وبالتالي نعتقد أن السارد يود أن يخبرنا بضرورة وأهمية بالبحث عمن يستفيد من هذه العائدات, وبالتالي فمادامت السياحة فلسطينية أو تقام على أرض فلسطين لذلك ينبغي أن يستفيد منها الشعب الفلسطيني بدل الاستفادة منها من قبل الصهاينة ,وبالتالي ينبغي أن توزع هذه العائدات وفقا لاحتياجات هذا الشعب من أجل أن يتمكن من ممارسة حقوقه كباقي الشعوب, بتوفير المزيد من البني التحتية المتعلقة بالتعليم, والعمل على تطويره وفقا لبرامج, ومناهج ذات صلة بمتطلبات الاقتصاد الفلسطيني, كما ينبغي توفير المزيد من بنيات تحتية بخصوص الصحة, والعمل على تطويرها في أفق توفير الشروط الضرورية للعيش الكريم.
أيضا نود أن نشير إلى تقدير أخر ,ويتعلق الأمر بكون سؤال السياحة يود السارد استغلاله من أجل مطالبة المنتظم الدولي بالتدخل من أجل الحفاظ على ذاكرة الشعب الفلسطيني بمختلف تمظهراتها ,وأشكالها, منها ما يتعلق بالمعالم التاريخية, ومختلف الأشكال التعبيرية المتعلقة بالثقافة الفلسطينية, أي التدخل من أجل الحفاظ على الثقافتين الشعبية ,والعالمة ,والحفاظ على هوية الشعب الفلسطيني المتجدرة في التاريخ العربي الفلسطيني, كل ذلك وفقا لما تنص عليه المواثيق الدولية, المتعلقة بحقوق الإنسان.
في السياق نفسه أعتقد أن السارد أيضا يود التدخل من خلال ما جاء على ألسنة بعض الشخصيات الروائية من أجل التعجيل بتصفية الاستعمار, بناء على ما تنص عليه بعض المواثيق الدولية, وبعض الإعلانات العالمية ذات الصلة بالموضوع.
من جهة أخرى أود أن أشير إلى الانحياز للماركسية كمنج كما جاء على السنة بعض الشخصيات, واعتبارها مرجعية للنضال ضد الصهيونية, كما جاء على لساني شخصتين فلسطينيتين تمكنتا من الانتقال إلى الاتحاد السوفيتي من أجل الاستفادة من تجربة و من مبادئ, وما حققه البلد من نجاح من حيث التنظيم, والتاطير للجماهير, وفيما يتعلق ببناء اقتصاد وطني يستفيد منه الجميع.
لقد كان متوقعا أن يرد في الرواية ما يفيد ذلك, غير أن السارد ركز على العلاقات العاطفية الإباحية دون تقديم إجابات حول التنظيم ,والعمل, وبناء الاقتصاد, وعيه نفترض أن المؤسسة, أو المؤسسات التي كانت من وراء هذا العمل في حاجة إلى الاستفادة من تجربة الاتحاد السوفيتي في إطار علاقة التعاون التي تبنيها هذه الدولة مع الشعوب التي لها إمكانية في التعاون معها.
وبالتالي لم يرد ضمن الرواية استفادة الشعب الفلسطيني, أو على الأقل استفادة بعض التنظيمات اليسارية من هذه التجربة ,في إطار دعم المقاومة ,وتاطيرها في إطار صراعها المرير ضد المحتل .
وعلى الرغم من ذلك لابد من أن ننوه بهذا العمل الروائي, الذي نجح كغيره من الروايات الفلسطينية في أن تحمل بعض شخصياتها مواقف مشرفة, على الرغم من كونها جاءت على ألسنة شخصيات عادية خاصة في بداية الرواية.
شخصيات يبدو أن لاعلاقة لها بالسياسة ,وبالتالي فانه على الرغم من أنها تبدو مواقف عاطفية إلا أنها تمثل مدى الوعي عند هذه الشخصيات نحو القضية الوطنية التي يناضل من أجلها الشعب الفلسطيني برمته, وهذا لا ينفي غياب ورود شخصيات ذات صلة بالساسة داخل الرواية ,ذلك أنها جاءت في أخر الرواية وكما أنها تخطط لعمل لاينبغي الكشف عنه.
إن الرواية من حيث تسلسل الأفكار جاءت محبوكة ,كما أن تقنيات الإبداع جاءت تعبر عن الاستفادة من المنظار النقدي المعاصر, أيضا جاء أسلوبها بمعجم سهل حيث تجنب هذا المتن كل التعقيدات اللغوية التي اتسمت بها بعض الروايات الأخرى .
كل ذلك من أجل التعبير عن الموقف من استعمار يسعى دائما بمختلف الأشكال إلى ربح المزيد من الوقت من أجل تمديد أجل الاستعمار, وما يترتب عن ذلك من مزيد من تهجير للشعب الفلسطيني, وقمعه في وطنه ,ومنعه من المطالبة بحقوقه المشروعة.