عندما تصبح القراءة علاجا
نجاة الماجد | شاعرة وكاتبة سعودية
ثمة مقولة قد قرأتها ذات مرة للروائية الرائعة أحلام مستغانمي التي تذكر أنها قد وجدت روايتها (فوضى الحواس) تباع في صيدلية في شارع الحمراء في بيروت، مع كتب الحمية وعلاج السكري وأمراض القلب والشرايين، وتذكر أن العلاج بالقراءة الانتقائية أحد أحدث طرق العلاج النفسي، وقد صدر في باريس كتاب يضم مائة عنوان لروايات عالمية مقسمة حسب احتياجات كل حالة نفسية يمر بها القارئ..
والآن قد يتبادر إلى ذهن البعض أن العلاج بالقراءة هو أحدث اكتشافات الطب وتطوراته ولكن الأمر مختلف عن ذلك تماماُ وهذا ليس بمستغرب يا عزيزي القارئ فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يحيا بدون الهواء والماء والطعام فإن هناك من الناس من لا يستطيع الحياة بدون القراءة وكما أن هناك علاج بالرسم، وعلاج بالزيوت العطرية، وعلاج بالموسيقى، وعلاج بالرياضة… فهناك أيضاً علاج بالقراءة.
والعلاج بالقراءة ليس شيئاُ جديداُ وإنما بدأت ممارساته منذ العصور القديمة، فقد كان الفراعنة يكتبون على جدران المكتبات المصرية القديمة مثل: مكتبات معبد (رمسيس)، ومكتبة معبد (إدفو) هذه العبارات (هنا علاج الروح)،و (هنا بيت علاج النفس).
ثم انتقلت هذه المفاهيم إلى المكتبات البابلية والآشورية، ثم المكتبات اليونانية والرومانية ، ثم العربية.
وفي السياق ذاته أورد الأستاذ محمد الشموتي مقالاُ يوضح جذور هذا العلم عبر التاريخ والذي بدأ على حد قوله منذ كانت قراءةُ التمائمِ والتعاويذ تُستخدمُ لحمايةِ وعلاج المصابين بالخوفِ، والصرعِ، وأنواعٍ مختلفةٍ من الأعراض، مروراً بحلقةٍ من أصحابِ رسول الله عليه السلام، يسألونه علاجاً لأحدهم، فيخبرهم أن يقرأوا عليه الفاتحة.
أما في العصر الحديث فقد بدأ التنظير لهذا العلم في بداية القرن العشرين. حيث كانت كاتلين جونز تعملُ أمينة مكتبة في مستشفيات ماكلين في ويفرلي في ماساشوستس، وكانت على قدرٍ كبيرٍ من الخبرةِ والتأهيل في اختيار المواد المنوعة لمرضى ونزلاء المستشفى، والتي تضمن لهم نفسيةً جيدةً وراحةً أكيدة.
وقد أدرجت موسوعة ويكيبيديا تعريفاُ مفصلاُ لهذا العلم جاء فيه (العلاج بالقراءة هو استخدام مواد قرائية مختارة كمواد علاجية مساعدة في الطب البدني أو الطب النفسي وكذلك في التوجيه إلى حل المشاكل الشخصية من خلال القراءة الرشيدة).
ويقال بأن هذا العلم “العلاج بالقراءة” قد أسسه العالم الروسي “نيقولاس روباكن” في مطلع القرن العشرين، واضعا أسس وقواعد هذا النوع من العلاجات في كتابه الصادر عام 1904 بعنوان “البيليويوثيرابي- علم نفس القراءة؛ غير أن البعض الآخر يرون أن الفيلسوف اليوناني “أفلاطون” هو أول من أشار إلى إمكانية علاج بعض العوارض النفسية عن طريق القراءة، مؤكدين أن “أفلاطون” كان سباقا في هذا الصدد، ولكن الحقيقة أن المصريين القدماء هم أصحاب السبق في استخدام القراءة لمداواة المرضى كما أشرت إلى ذلك في بداية هذا المقال .
ومن أوائل من مارسوا العلاج بالقراءة في العالم العربي الدكتور محمد شعلان، أستاذ الطب النفسي في «جامعة الأزهر»، وهو يقول إن «الكتاب الذي يوصف للمريض ينبغي أن يكون في حدود ثقافته. لذا فقد اتبع الدكتور طريقة العلاج الجماعي، حيث أعطى المريض كتابًا، يقرأه ويلخصه ثم يعرض تلخيصه على الجماعة.
موضحاُ أن من شأن هذه الطريقة أن تقوي التركيز، وتعالج أيضا الاكتئاب والفصام.
عموماً ورغم أننا لا ننكر أهمية القراءات المتعددة في تغذية الروح وعلاج النفس فإنه يبقى أن أقول بأنه ليس ثمة كتاب خير من كتاب الله – عز و جل – في شفاء النفس والبدن معاً يؤكد ذلك قول الخالق تبارك وتعالى (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)، كذلك قوله عز وجل (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقرٌ وهو عليهم عمى).
وليس هذا فحسب بل إن قراءة القرآن تُضاعف الحسنات وترفع الدرجات في الدنيا والآخرة … (اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته).