د. حسن عبد الله.. صوت صارخ في جنان وبساتين وحقول الثقافة
محمد زحايكة | القدس – فلسطين
أول مرة يلتقي فيها الصاحب مع الزميل والصديق القديم د. حسن عبد الله كانت في أحد الأيام الخوالي وهو برفقة الشهيد الراحل سعيد عبيدات أبو عدي، وكان اللقاء على أرض قريبة من هيئة الرقابة الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة على قمة جبل المكبر الغربية والتي أصبحت فيما بعد تشكل المنتزه العام الكبير الذي يطلق عليه الخواجات اسم “الطييلت”.
كان عبد الله وعبيدات في تلك الأيام ناشطان وكادران طلابيان في جامعة بيت لحم، وأظن أن مهمتهما كانت تأطير الصاحب وكسبه واستقطابه وتجنيده للمنظمة الطلابية التي كانت تتبع لما كنا نسميه باليسار الجذري قبل أن يتحولا لاحقا إلى منظمة طلابية يسارية أخرى أكثر راديكالية حيث أنهما ضغطا على الصاحب، وتقريبا قد نجحا في مهمتهما هذه، حيث استوى الصاحب على عوده نتيجة إصرارهما هذا، فانخرط الصاحب في لجة العمل الحزبي في مجال الإعلام والتعبئة العامة حسب ظروفه وإمكانياته وهو طالب في جامعة بيرزيت ومراسل صحفي لجريدة الفجر المقدسية.
وكرت الأيام كما تكر المسبحة العملاقة، وتفرق الأصدقاء والرفاق والمعارف بسبب أوسلو والإغلاقات والحصار الذي جلبه على القدس وبقية المدن الفلسطينية أساسا ولأسباب أخرى من بينها سوء فهم في النظر لقضية شخصية تخص عبد الله كان أحد طرفيها بعض الرفاق من البلدة الذين صعب عليهم استيعاب هذا الأمر الشخصي مما ساهم في حالة التباعد بين أصدقاء وزملاء الأمس. وطبيعي أن هذا انعكس بشكل أو بآخر على انتظام عملية التواصل بين مختلف الأطراف ومن بينها الصاحب اللاهب.
ويمكن القول إن الصاحب، أعاد اكتشاف د. حسن عبدالله من جديد عندما أطلت علينا وسائط التواصل الاجتماعي المهيب بجلال قدرها، وحينها دهش الصاحب بالمسيرة الثقافية الغنية والثرية على مدار سنوات ابدع فيها عبد الله نصوصا أدبية وثقافية وانسانية وفي الجوهر منها حوارات ذات زخم عالي ورفيع مع كوكبة من المبدعين والمثقفين الفلسطينيين في الأغلب سواء من خلال برامج تلفزيونية لمحطات محلية أثبتت حضورها في الساحة الإعلامية بمهنية وموضوعية عالية أو من خلال منشورات على مستوى عال من المهنية والحرفية تعالج جوانب من حياة الأسرى وهو أحدهم والذي كاد أن يبعد عن أرض وطنه بسبب نضاله السياسي والوطني العنيد.
وتسنى للصاحب الاطلاع على معظم نتاجاته ذات المدلولات العميقة والشفافة وأسلوبه الأدبي الشائق والممتع وقدرته على انطاق الشجر والحجر والجماد عموما وتوظيف هذه التداعيات النفسية وما يعتمل في خلجات النفس بصورة مكثفة ومبهرة تشد القارئ إلى آخر سطر من سطورها، كما شاهد الصاحب بالصدفة من خلال سعادة اليوتيوب حلقتين لفضائية معا مع الأديب والناقد إبراهيم جوهر والشاعر معين جبر من زملاء عبدالله في الجامعة وحوارهما معه وما تتركه هذه الحوارات الممتعة من صدى وحنين للأيام الخوالي التي انقضت وما حملته من مواقف وذكريات ونضالات بروح شفافة ومبدئية طاولت عنان السماء وما زلنا نفتخر بها في أيام الجزر والاسترخاء وفقدان البوصلة.
البستان يكتب بالندى ورام الله تصطاد الغيم ودمعة ووردة على خد رام الله وغيرها الكثير من إبداعات هذا الكاتب والعاشق المتألق في سماء فلسطين الذي يأخذنا إلى عوالم من الإدهاش والإبهار بقلمه الرشيق وعباراته المتناسقة والمموسقة المكتنزة بالحنين الى زمن الحب والعطاء بلا مقابل والجمال الفطري بعيدا عن فن التزويق والمكياج الخادع. والصاحب محظوظ و يفخر بأنه تعرف على عدد من العبداللات المتميزين، معظمهم وبالصدفة.. والله بمحض الصدفة، على رأي شاعرنا الأكبر العظيم مظفر النواب من اليساريين الأحرار ومن مناطق شتى من فلسطين الحبيبة، منهم غسان عبد الله وهشام عبد الله ونبيل عبد الله والشقيقان جابي وجاك عبدالله ود. تيسير عبد الله والبقية تترى من العبداللات.
د. حسن عبد الله، مبدع صعد كالصاروخ وصار نجما إعلاميا متربعا في سماء الثقافة الفلسطينية الحرة العالية بجدارة واقتدار. وحدث هذا بجده واجتهاده والاشتغال الجاد على الذات والنفس وتطويرها حتى بات رمزا ثقافيا متألقا يشار له بالبنان . د. حسن عبدالله أسهم بطريقته المتميزة بالتعريف الجميل بفرسان وفارسات الإبداع في بلادنا الجريحة والمكلومة بداء الاحتلال البغيض وصار الصوت الحر والنبيل المنادي بحرية الإبداع التي ليس لها حدودا.
د. حسن عبدالله يستحق منا بستانا من الورود والأزهار والازاهير على رقته كإنسان منفتح ومتقبل للآخر ومتصالح مع النفس وعلى دوام واستمرارية إبداعه الذي يتحفنا به في كل حين، له منا تعظيم سلام وإلى الأمام يا حسن الأمام والألهام.