مهنة الصحافة باقية .. والأشخاص زائلون!

صبري الموجي| نائب رئيس تحرير جريدة عالم الثقافة

المتأمل في حال الصحافة اليوم سواء القومية أو الخاصة، يجد أن كثيرا من إدارات الصحف صارت أشبه بعزبٍ أو (أبعاديات)، يعتبرُ رئيسُ تحريرها نفسه أحد الإقطاعيين، الذي يملك وحده حق الأمر والنهي فيستكتب من يريد كنوع من المجاملة، ويستبعد آخرين ممن ليسوا علي هواه دون اعتبار للموهبة والكفاءة، وهو ما تسبب في تقديم مادة صحفية ضعيفة أحيانا، ودون المستوي في أغلب الأحيان.

وإن جازت هذه المجاملة المقيتة في حق الصحف الخاصة باعتبارها ملكيات لأصحابها، فإنها لا تجوز بحال في الصحف القومية التي هي ملك للدولة.

ولا شك أن هذه الحال المتردية تختلفُ عما كانت عليه أيام أساطين الصحافة الكبار ممن كانوا يبحثون عن الموهبة بـ(مُنكاش)، ويتيحون لها فرصة الإبداع والتحليق في بلاط صاحبة الجلالة، وهو ما صبّ في إخراج مُنتج صحفي متميز آنذاك، جعل من الصحافة سلطة رابعة، تُسهم في علاج مشاكل المجتمع وصنع القرار السياسي.

وباعتباري أحد صحفيي إحدي الصحف القومية والتي التحقتُ بها زمن ثلة من النجوم الكبار أمثال الكاتب الفذ سلامة أحمد سلامة، والذي كان عموده (من قريب) أشبه بترياق يمنحُ قارئه نبض الحياة المعرفية بما يقدمه من معلومات صحيحة ومكثفة، ترتقي بقاموسه السياسي، ومن هؤلاء النجوم أيضا طبيب القلوب عبد الوهاب مطاوع، والذي حمل علي عاتقه بجانب كتاباته الإنسانية خروج صحيفة الأهرام في أبهي صورة، تُمكنها من منافسة الصحف الأخري، بل وتجعلها تتربع علي عرش السيادة خاصة في جانبي الرأي والتحليل السياسي، بالإضافة إلي كبار الكتاب مثل صلاح الدين حافظ وفهمي هويدي، وأمين هويدي، وغير هؤلاء الكثير ممن كانت لهم بصمتهم الواضحة في عالم الصحافة والفكر .

ولم تتكمن هذه الكتيبة آنفة الذكر وغيرهم من النجاح إلا في ظل إدارة الأسطورة إبراهيم نافع الذي عاش طيلة حياته الصحيفة – بفضل علاقاته الواسعة مع أصحاب القرار – مُدافعا عن مهنة الصحافة وحق الصحفيين، بل ودخل مع كثيرٍ من مسئولي الدولة في معارك ضارية انتصارا للمهنة وأصحابها.

ولم تكن الحال في بقية المؤسسات الصحفية مختلفة عما كانت عليها بالأهرام، فلا ننسي إبراهيم سعدة وجهوده الجبارة بمؤسسة الأخبار، وسمير رجب بجريدة الجمهورية، ومكرم محمد أحمد، وغيرهم الكثير، ومن قبل هؤلاء جميعا محمد حسنين هيكل، وكلٌ من علي وأخيه مصطفي أمين ممن عاش (كارنيه نقابة الصحفيين) في عهدهم أزهي عصوره، فكان أشبه بسيف بتار، إذا خرج من جيب صاحبه، تقوم الدنيا ولا تقعد.

إن قوة المهنة مُستمدة من قوة أصحابها، وأني لصاحبها القوة، وهو لا يملك قدرة التعبير عن رأيه حتي في صحيفة مؤسسته، التي صار الاستكتاب فيها خاضعا للهوي وليس للكفاءة؟

إن نافذة الصحفي التي يطل منها علي قارئه هي أقوي أسلحته، التي إن تجرد منها صار أعزل لا يقوي علي المواجهة، ومحاربة الفساد؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

وأخيرا أقول: إن جموع الصحفيين في كل مؤسسة أشبه برُكاب سفينة ربانُها هو رئيس تحرير هذه المؤسسة، الذي يستمدُ قوته من قوة مرءوسيه، أما تقليم أظافرهم بحرمانهم من التعبير عن رأيهم فهو إضعافٌ له، وإضعافٌ للمهنة، التي لابد أن نحافظ عليها لأنها ستبقي أما الأشخاص فزائلون!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى