الجرأة في كتابة النص الشعري عند الشاعرة حنين عيساوي”
بقلم: دعاء موسى | العراق
في بداية المقال كان من المفترض أن يكون المقال عن شاعرات “محافظة بابل/العراق” بصفة عامة الا أنني تصفحت بعض صفحات الشاعرات على موقع الفيسبوك و لم يحالفني الحظ في قراءة نصوص جريئة سوى نصوص (حنين عيساوي) لفتت نظري كثيراً على الرغم من أنها فتية في كتابة النص الفصيح.
يقول الفيلسوف الفرنسي”غاستون باشلار”: “الكتابة المبدعة إمكانية كل إمرأة لأنه فعل أنوثة” فالمرأة تمتلك الموهبة و الإمكانيات التي تجعل منها قادرة على بث شعرها و مشاعرها في جنس أدبي متميز فالإبداع يعتمد على الإحساس و التعبير الجاد الخفي و المعلن نتيجة الصراع الداخلي و هو ما يجعل المرأة قادرة على التعبير بنصوص شعرية جريئة لشدة إحساسها و رقة تعبيرها عن همومها ومشاعرها الدفينة.
مصطلح الجرأة اليوم له معان كثيرة جرأة التعبير في النص الشعري، جرأة في إبداء الرأي وعدم الخمول أو اللامبالاة في الأحداث التي تحيط بالشاعرة ( كأحداث الثورة التشرينية والسكوت الذي نراه من بعضهن، ووفاة رمز من رموز الشعر وعدم الدفاع عنه أو له، الجرأة في كتابة النص الغزالي، الجرأة في استخدام الألفاظ التي يحجبها المجتمع ويعدها ألفاظ غير مباحة).
تتوفر للمرأة الشاعرة اليوم البيئة المناسبة لقول الشعر الجريء سواء كان الطرح على أرض الواقع أو ما تطرحه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للتعبير عن نفسها بجرأة وصراحة، فتطرح حنين مسألة مهمة في المجتمع الا وهي تسلط الأب الذي يرى نفسه له الاحقية في كل فعل يقوم به، فتقول :
لو ان ابي كان اخرسا
لما سمع الجيران بأننا ننام بلا عشاء
لو انه كان اخرسا لما علم الرجال
بان امي قحبة …….
تصف حنين حال الأب الذي ينعت الأم بالفاظ وقحة تسيء له وللأم وعند حديثي مع الشاعرة أضافت : انها تفضل لو كان الأب اخرسا حتى لا يسمع الجيران صراخه وحتى لا ينعت زوجته ب ( قحبة)، والقارئ لشعر حنين يرى أنها مهتمة بأدق التفاصيل ودائما تبرز هذه التفاصيل في شعرها.
ذمت حنين عادات المجتمع كثيرا، فقالت
(وجود سيارة ابي امام بابنا أمان)
كذبة
أنا أريد ابي
لاحاجة لي بالسيارة.
(صوتُ أمي في البيت امان)
خدعة نخدعُ بها انفسنا
أنا أريدُ امي
بكماءُ
ام عمياء
لايهم.
(الأخ كتف ثالث)
مزحة اطلقها رأسي
أخي الكبير
عصا ً انكسرت عندما
سقطتُ ضرباً بين يديهِ.
جرأة حنين بلغت بتكذيب تلك الخرافات المتداولة بين نساء جيلها الا وهي وجود سيارة الأب دليل أمان وصوت الأم في البيت أمان والأخ كتف، وهذا النص دليل واضح وجريء ينم على مدى التعسف والاضطهاد التي تعيشه الشاعرة في ظل أسرة ومجتمع بائس يدعي سلطة الأب والأخ على النساء، فهي تريد أباً وأماً رحيمين وأخ يكون عونا وسندا لان أخيها كان قاسيا وصفته وكأنه العصا التي انكسرت من شدةِ ظربه لها.
تستمر الشاعرة في جرأتها بذم المجتمع وتقاليده فتقول :
خيطٌ طويلٌ أخضر
بأربعين (عُگدة)
كل اربعاء من كل أسبوع
اقوم بفك احدى (العُگد)
في دلوٍِ مع قراءة بعض السور القصار(المعوذتين)
واستحمُ به
هكذا سوف أحصل على
زوجٍ .
هذا النص يذكرني بنص للشاعر عدنان الصائغ بعنوان (أُمي) يقول فيه : لأميَ، عاداتها.. لا تفارقها
فعندَ الغروبِ، ستشعلُ “حرملَها”، عاطراً بالتمائمِ.”
فالشاعران استخدما العادات والتقاليد الا ان حنين تصف عادة من عادات النساء اللاتي يعتقدن أن بفك أربعين عقدة من خيط أخضر في كل أسبوع ” يوم الأربعاء” تحديداً يفك عقدة الزواج لديهن و يحصلن على الزوج بفتح تلك العقد وبتمتمت بعض السور وهذه الخرافة إلى يومنا هذا يتداولها النساء الجاهلات.
لم تكتف حنين بذم المجتمع بل تطاول شعرها إلى ذم السلطة، فقالت :
فتشوا عن بضائعكم تحت سروال الرئيس
او في حمالة زوجته
هل فتشتم تحت إبطيه
ولمَ العجب
لقد كنت اسرق طعاماً من خزانة ابي
واضعه في حمالتي
واخفي هاتفي تحت إبطي خوفا أن يراه اخي
لست مبالية أن اخبرتك يارئيس
بأنك وسروالي الداخلي وجهان لنزيفٍ واحدٍ.
الشاعرة في هذا النص تتكلم بنبرة استهزاء من الرئيس، لم تصرح أيا منهم إلا انها شبهت حاله كحالها وهي تخبأ ما تسرقه من طعام في حمالتها وتخفي هاتفها تحت ابطها وهذا التشبيه هو أيضا اعتراض على سلطة الأب والأخ على البنت، توضح الشاعرة عدم مبالاتها لـ (الرئيس) حتى وضعته بمحاذاة مع نزيفها الا وهي تقصد (العادة الشهرية) التي تحمل ما تحمل من وساخة وقذارة.
الجرأة واضحة لدى الشاعرة حنين عيساوي حتى في كتابتها لنصوص الغزل، فتقول :
صباح الخير
الواحد والثلاثون من ديسمبر العامَ 2020
صباح الخير مرة ثانية…
الساعة “التاسعة وستة وخمسون” قبلة
“مئتان واثنان وخمسون” يوماً مر على حبي لكَ
تسعة اشهر مرت على حملي لهُ
الليلة ….
سأولد ..
ايتها المواجد في العالم اضحكِ
افرحِ معي وتعالي نرقص بصخبٍ
الليلة…
سنجدد عهدنا من جديد
سنبدأ من النهاية لبداية وعدٍ
الرابع من ابريل….
الثالث عشر من آيار…
تعال معي نخبأ طفلنا
ونبدء بخلقِ طفلٍ جديد.
عادة ما تخبأ الأنثى أسرار حبها خوفا من المجتمع بصورة عامة ومن الاهل بصورة خاصة، تعلن الشاعرة عن ايام لقاءها مع حبيبها (الواحد والثلاثون من ديسبمر العامَ 2020، الساعة التاسعة وستة وخمسون قبلة،الرابع من ابريل….، الثالث عشر من آيار…) وهذا الموعد من شدة جماله تصف حنين ساعة لقاءها بالحبيب بأنها عبارة عن قُبل، لأننا ندرك عند لقاء الحبيب ومن شدة شغف اللقاء نتمنى لو أننا نقبله لأننا في مجتمع عصي جدا في اجتماع حبيبين معا، بجرأة مفرطة و اعلان موقف قوي من قبل الشاعرة تعلن عن مدة حبها أو بدأها لتلك العلاقة وهي ( مئتان واثنان وخمسون يوماً مر على حبي لكَ / تسعة اشهر مرت على حملي لهُ) وتصف هذه المدة بمدة الحمل لدى النساء وهذه استعارة جميلة من قبل الشاعرة فهي تأخذ من الحبيب ولادة طفل لها، ففي ليلة حبها تدعو حنين جميع النساء المواجد في العالم للاحتفال والضحك والفرح والرقص والإحتفاء بولادة ذلك الحبيب الذي سيكون كطفل بين يدي شاعرتنا ، وفي كل موعد لقاء تجدد حنين حبها له وتعلن عن بدأ ولادة طفل جديد ينبض للحياة بحب.
دائما ما تقف الشاعرة “حنين عيساوي” مع المشهد الشعري وما يحيط به من أحداث وآخرها وفاة الشاعر (سعدي يوسف) وما صاحبه من لغط حول قضايا تخص الشاعر الا أنها وقفت بكل جرأة وثبات في التصدي لكل من أساء لشخصه، حتى أن إحدى الشاعرات طعنت حنين بشرفها ووصفتها ب ( بنت القذرة، والقوادة) لأنها دافعت عنه، إلا أن هذه الشتائم لم توقفها بل زادتها جرأة.