لحظات الإنتظار
رزق البرمبالي | قاص مصري
مضى زمن طويل منذ خرج عبد الله إلى الحرب، لم تعد أم عبد الله تدري كم مدتها على وجه التحديد، لكنها طويلة… طويلة طول ليالي الانتظار في شرفة الأمل كل ليلة، وثقيلة ثقل التفكير والخوف من المجهول، والحزن المخيم في حدقات العيون، الحزن الجاثم في حنايا الصدر وغُرفات القلب،
ذلك القلب الذي يرفرف فرحا كلما كانت ترى على البعد جنديا ببزته العسكرية
“إنه هو.. هو عبد الله.. نعم هو.. بطولة الفارع وجسده النحيل”
وما إن يقترب وتتحقق منه، حتى يضم القلب أجنحته ويخشع باكياً في صمت، وتشاطره عينيها البكاء،
في النهار.. تبتسم ويمتلىء وجهها بنور الأمل وهيّ تضم عبدالله إلى صدرها ضمه قوية، ودموع الفرح تنساب على وجنتيها الذابلتين،
“آه ياعبد الله.. آه ياعبد الله”
أحلام اليقظة تطاردها على الدوام،
_هوني عليك ياأماه.. عبد الله بخير.. عبد الله راجع، يقول ولدها “سامر” وهو يربت على كتفها في محاوله منه لتضميد جراحها والتخفيف عنها،
ومابين لهيب الانتظار وبصيص الأمل، كان القلب يتأرجح بين الفرح والبكاء،
رأته في التلفاز.. فركت عيناها مرارا
ياالهي انه هو.. نعم هو.. قالت لنفسها، وصرخت صرخة قوية ومكتومه..تردد صداها داخل صدرها، فارتجف جسدها الضامر بشدة،
ذهبت إلى غرفتها، ارتدت الأسود، ارتبك سامر لرؤيته هكذا،
_ماهذا يا أماه؟!
كتمت شهيقا أخذ يخرج من بين أنفاسها، وتفجر صوتها بنحيب حارق، فبكى معها، وأيقن أن ماكان يخشاه قد حدث،
قالت في صوت شاحب: عبدالله مات!
_ كيف عرفتي؟!
تنهدت تنهيده طويلة، وقالت:
رأيت الجنرال على شاشة التلفاز، معلقاً على صدره نيشانا جديد!