نائل سيد أحمد.. وقاموس ومعجم مقدسي متحرك
محمد زحايكة | فلسطين
مختار المصرارة الشاب والغيور على القدس وأقصاها الأبهى
في بدايات عمله في صحيفة الفجر مطلع ثمانينيات القرن الفارط، التقى الصاحب بشاب مثقف وحربوق وشعلة من النشاط والهمة والمفهومية يسكن في حي المصرارة المجاور لمقر جريدة الفجر في شارع نابلس وبدأت علاقة بينهما اخذت تتنامى خاصة وأن الصاحب في تلك المرحلة ورغم ميوله الثورية واليسارية إلا أن عاطفته الدينية المشبوبة والمتأججة بتاثير من رياح الثورة الإسلامية الإيرانية وقراءاته في أدبيات الإخوان المسلمين ثم علاقته مع أحد منظري حزب التحرير الصديق محمد علي عايد من حي غزيل في جبل المكبر والذي أقنعه الصاحب بنشر سلسلة مقالات له في جريدة الفجر كانت تنشر أحيانا على الصفحة الأولى لاهميتها وموضوعيتها.
كانت هذه الأفكار تضطرم في صدر الصاحب عندما وجد ميولا مشابهة لدى سيد أحمد في التعاطف مع فكرة الخلافة على منهج النبوة والخلافة الراشدة التي فهمها الصاحب في تلك الفترة بصورة رومانسية ، إذ أنه ما إن يأتي الخليفة حتى يعم العدل والسلام أرجاء المعمورة وتتلاشى دار الكفر، ويرعى الغزال مع الأسد والحمار الوحشي مع النمر والذئب مع الحمل بسلام وأمان؟
ورغم أن الصاحب فكريا، غادر هذه الأحلام الرومانسية مع تقدم الزمن إلا أن علاقته مع نائل سيد أحمد بقيت علاقة ودية وأخوية وايجابية خاصة وأن نائل شخصية محببة وعلى خلق جميل وهو إنسان طيب وخدوم إلى أبعد الحدود، ما إن تقصده في خدمة أو طلب ما، إلا ويحاول جهده المساعدة وفق ما يمكنه ذلك وابتسامته ترتسم على وجهه السمح وبشرته البيضاء من غير سوء، فهو شخصية متعددة المواهب من حيث الاهتمام بالشأن الفكري والثقافي والرياضي والاجتماعي وحافظ على علاقات حسنة مع الجميع وكان الصاحب طالما يصدفه عند كشك بائع الصحف الأشهر المرحوم عمير دعنا أبو سلام أو عند المرحوم إبراهيم شبانة في مدخل باب العمود في نوع من التواصل مع عالم الصحافة والثقافة والكتاب خاصة وأن النائل كان ينشر مواده الصحفية في الصحف المحلية مع تركيزه على الجانب الفكري والتوثيقي الدقيق. كما كان الصاحب أحيانا يلتقيه في موقف ركن السيارات في المصرارة الذي كان يديره شقيقه المرحوم سائد أو في معية المرحوم والده في سوق المصرارة الأشهر .
وطالما ساعد النائل، الصاحب بتزويده بمعلومات قيمة في مجالات شتى خاصة عن حي المصرارة العربي الذي يقطن فيه وهو المطلع جيدا على تاريخ القدس ومكتباتها وأسواقها وأسوارها وأزقتها. ولا ننسى المامه بتاريخ المسجد الأقصى المبارك من خلال عمله في دائرة الاوقاف في فترة ما، حيث أوقف عن العمل كما يظن الصاحب بسبب فكره الإسلامي الحر وربما بسبب تعاطفه مع فكر حزب التحرير.
والصاحب لم يعد متأكدا إذا ما زال النائل ينتظر الخليفة خاصة بعد الانشقافات الرأسية والأفقية في فكر هذا الحزب الذي فشل في تجسيد نموذج إسلامي في أي من الدول والأقطار الإسلامية الـ 56 رغم مرور حوالي 70 عاما على انطلاقته واكتفائه بالتنظير وعدم المشاركة في اي تدافع حقيقي وشعبي من أجل التغيير على الأرض إلا في حالات نادرة وفردية لا تكاد تذكر ” ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض.. “ إلى آخر الآيات. فهل سينتظر النائل مجيء الخليفة ولو بعد ألف عام؟
نائل سيد أحمد.. طاقة فكرية مقدسية فعالة، ما زالت شبابية، لذلك أطلق عليه الصاحب مسمى مختار المصرارة الشاب لأنه تقريبا يعرف كل شاردة وواردة. وهو لا يتوانى عن المساهمة في أي جهد ثقافي أو فكري عندما تسنح الفرصة كما حصل مؤخرا من خلال تكريم الفنان المسرحي صقر السلايمة حيث وقف النائل وراء هذه الفعالية والأمسية الفنية والثقافية الجميلة، مبرهنا على انفتاحه على مجتمعه المحلي وإن بحذر وخطوات مدروسة كما ذكر للصاحب أنه يجري التحضير كذلك لتكريم ريمون زبانة لعطائة الكبير في الحقل الرياضي من خلال جمعية الشبان المسيحية.
النائل سيد أحمد.. مثال ونموذج للمقدسي الحر الغيور على مدينته ومقدساتها، يبعث رسائله الثقافية والفكرية بهدوء بثوبها الإسلامي الأصيل حسب قناعاته ويدرك في نفس الوقت أن الساحة الفكرية متعددة ومتنوعة وليست حكرا على فئة دون أخرى، ولا حل إلا بالتعايش والتحاور بين هذه الأفكار حتى يفرز الله الغث من السمين والحب من الزوان .. ” أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.. ” قرآن كريم
كل التحيات الطيبات لنموذج نائل سيد أحمد الفكري الثقافي الذي يبث أفكاره ويمارس قناعاته بكل هدوء ونبل واتزان وأخلاق عالية دون المزاودة على أحد أو تكفير أو تخوين المخالفين.