أدب

شعر الوزبة توثيق لشجاعة الزرانيق.. استمع الوزبة بصوت الشاعر المحفلي

وزبة الجله للشاعر الشعبي علي حسن بكّار نموذجا

بقلم: حميد عقبي | باريس

تعد قبيلة الزرانيق اليمنية في محافظة الحديدة الساحلية من القبائل التهامية المهمة ويذهب بعض المؤرخين أن لها جذور سبئية قديمة وهم وهم في أصلا فرعا من قبائل المعازبة وجذورهم قبائل الأزد وقد يطلقون على أي تهامي زرنوقي ولا توجد الكثير من الاختلافات لمعظم سكان تهامة وفروقات اللهجة ليست كثيرة التعقيد ولكن يوجد ثراء لغوي ومفردات جديدة تستكشفها في كل قرية وكذلك مع بقية سكان المحافظات حيث تشتهر تهامة بثرواتها الزراعية والحيوانية والثروات السمكية وأدى إلى وجود عشرات الأسواق الشعبية ونزوح من جميع المحافظات اليمنية إلى تهامة للتجارة والعمل ولا أعتقد بوجود مشكلة تواصل رغم اختلاف اللهجات وهذا ربما يحتاج لموضوع خاص لمناقشته وطرحه لاحقا.
سبق وأن نشرت عدة مواد عن الشعر الشعبي التهامي في اليمن وهنا سوف أتناول أشهر وزبة تهامية عمرها يقارب المئة سنة ومع ذلك ماتزال محفوظة ومتداولة وهي للشاعر الوزاب الشهير علي حسن بكّار من شعراء مدينة بيت الفقيه ووثق فيها معركة الجله والتي تعتبر البوابة الشمالية لمدينة بيت الفقيه وكان الأمام يحيى حميد الدين قد أرسل ولي عهده أحمد بن حميد الدين بجيش ضخم ليخضع قبيلة الزرانيق ويسيطر على تهامة بأكملها فهي سلة غذاء ومنهل ثروات جميع الأنظمة من عهد الامام إلى وقتنا الحالي وقد تولي أحمد بن حسن قيس الاهنومي قيادة جيش عين ولي العهد أحمد حميد الدين وظن أنه سيدخل بيت الفقيه في لحظات لكن هذه الحرب أستمرت من أول سنة 1928إلى نهاية 1929ودارت معركة قوية بين الجيش الغازي والزرانيق في 8أكتوبر 1928في شمال نواحي بيت الفقيه وأنكسر جيش الإمام وهُزم هزيمة شنيعة وهذه الوزبة التي أعرضها لكم وثقت الحدث، نهاية 1929قام ولي العهد بشراء ذمم البعض ودخل المدينة وأنتقم من الزرانيق حيث ارتكب مجازر وحشية وأحرق ونهب وسلب المدينة والكثير من قراها ومع ذلك استمرت المقاومة إلى سقوط الحكم الإمامي ورغم هذا التاريخ النضالي الحافل بالبطولات والتضحيات فقد تم تهميش تهامة في الحكم الجمهوري واتبعت نفس سياسة الإمام بأعتبار تهامة سلة الغذاء ومصدر العائدات لخزائن الدولة والمسؤولين والحاشية ومايزال التاريخ يكرر نفسه لهذه اللحظة.
مرفق نص القصيدة أو الوزبة للشاعر البكار وأخذت النص من تسجيل منشور للشاعر الشعبي محمد عبدالله المحفلي وكنت شخصيا أستمعت لهذه الوزبة من المحفلي عدة مرات وبعدة مناسبات.

وزبة الجله للشاعر الشعبي علي حسن بكّار

هاج أميوم من دلجْ
على ربوع مجلهْ
وعاد أميوم ما سرجْ
أمدوف فعل فعلهْ
أنظر وأيت تفرجْ
من فعل تاك الحملةْ
فعله فعلة أمفرجْ
وطواها مجاملهْ
وهل محز ومهيجْ
أتو بتاك الآشلهْ
خلو أمروس كم حدجْ
ومرجلين مشنجلهْ
لنتا هناك شاتحرجْ
من فعل تاك الجهلهْ
جهله كلها أفجْ
ماهيش لا معقلهْ
مقيله تتزاعجْ
في شبه وأويلهْ
رصاصهم يتصارجْ
ونارهم مشتعلهْ
ومدخين في العججْ
كمغوبه متكولهْ
خلو مجيش في حرجْ
محاصروا من أكلهْ
قيل يأكل ملجْ
ويام ماي مجُدلهْ
ما حد منهم خرجْ
ولا رجع عند أهلهْ
ما قُت لك يا أهمجْ
فلا تبيت في مجلهْ
أمسيل لما يزعجْ
يكسر كل حاملهْ
وسرح زرنوق لا هجْ
واحدو يقابل عزلهْ
زرنوق ما تتحججْ
لما توطي مفعلهْ
وأمقيسي هناك دبجْ
محسوب بين الجَملهْ
هرب يشا شتخارجْ
وأموت لقيه قبلهْ
شلواحصانه وأمسرجْ
وأمشمله مهجلهْ
مقيلو يتشسجْ
يرى مدينه سفلهْ
ومزربيان محوجْ
ومقبه مهيلهْ
وماي من حيسي فرجْ
من فوق ميتين بكلهْ
وأمقات بين مفرجْ
من فوق الفين شِكلهْ
ما وطوش في مفلجْ
كمثل ماته الفعلهْ
قل للإمام لا تحرجْ
من فعل يوم مجلهْ
الله يعينك تنتجْ
وتبدلحنا جهلهْ.

في مقالة بعنوان البعد السياسي في الشعر الشعبي التهامي للباحث خالد يحيى الاهدل ونشرها بصحيفة الثقافية اليمنية وأورد نص هذه الوزبة مع بعض الزيادات عن النص المرفق هنا مع اختلافات طفيفة أحيانا ووجود أكثر من رواية للنص من الأمور الطبيعية وأحيانا ربما الملقي للوزبة قد يسقط منه هفوة بيت هنا أو هناك والوزبة عادة يكون الأداء مع الرقص الشعبي وعزف القصبة والصيحات والطبول والتصفيق ويمكن أن يلقيها أيضا الشاعر الشعبي ولكل شاعر طريقته وبراعته وكان محمد عبدالله محفلي يحفظ لشعراء سبقوه ويحفظ بعض حكاياتهم وقد جمع الباحث الموثق الراحل عبدالله خادم العمري مئات النماذج من كل لون شعري تهامي وحوت كتبه المنشورة القليل من النماذج التي جمعها مكتوبة وتسجيلات صوتية وحتى فيديوهات فقد كان العمري يحب السمرات الشعبية ويدعو حفظة الشعر والموال وأحيانا يذهب إليهم إلى قراهم ويسجل معهم ولا ندري ما مصير هذه الثروة التي امتلكها بعد مماته ومن حسنات العمري أنه كان يساعد أي باحث يلجأ إليه وكما يوجد في زبيد الأستاد داود بازي من زبيد وهو شاعر وحافظ وكان منتدى الرسام في زبيد والذي كان يديره وفي بيت الأستاذ الراحل أحمد محمد رسام فهذا من منتديات تهامة المهمة حيث كان مدرسة للشعر الشعبي والأدب والثقافة وكذلك صالون الشاعر الراحل حسين غالب العلي وكلهم كانوا محبين ومشجعين للمواهب الشعرية والأدبية وكان في مدينة حيس للأستاذ الراحل عبدالرحمن بعكر منتداه وله كتاب مهم بعنوان كيف غنت تهامة: كتاب توثيقي للشعر التهامي وسماته الفنيه والموضوعية.

تأملات في وزبة البكار

الوزبة وهي لون ينتمي لنوع اليماني الذي ينتشر جنوب تهامة وبحسب تصنيفات الباحثين فالشعر اليماني ينقسم إلى ثلاثة هي الوزبة والمغني والمعنوي ويشير الغالبية أن الوزبة أكثرها من حيث النصوص وهي لون مايزال حيا ومستمرا ويمكننا أن نتوقف مستقبلا لتخصيص مداخلة مطولة عن الشعر اليماني، من المهم ذكره هنا أن الوزبة تأتي من الأزيب وهو الريح الباردة، حيث تبدأ رياح الأزيب الموسمية وتهب من الجهة الجنوبية الغربية في تهامة بشهر سبتمبر/ ايلول وهي لواقح للنخيل والكثير من المحاصيل وهي عكس ريح والغوبة والحرضية والتي تهب بالصيف وتكون حارقة فيها الكثير من الغبار والحرارة، الأزيب يبعث القشعريرة وتأتي معه بعض الأمراض مثل الملاريا.
في الوزبة تتردد كلمة الأزيب وفعل هب، هاج، أو فعل الأمر مثل وأزيب قر أو النداء وأ زيب مالك ويكون أيضا حوارات مع الأزيب.
للوزبة أغراض اجتماعية وسياسية وتوثيق أحداث وأيضا أغراض عاطفية والقصيدة تنتج بلحظة حياتية أو موقف أو خلال وحدة الشاعر مع نفسه فهي للتعبير عن الجماعة والمجمع أو عتاب للحبيبة أو نقد أو رأي أو ذاتية محضة وهنا هذا النموذج سياسي بأمتياز، هذه الوزبة ليست مجرد توثيقية لحدث بل فيها من التهكم والسخرية والاعتزاز بالقبيلة وتحقير وتهديد الغازي ولعل بعض المفردات وسط بحيث يفهمها العدو وتؤثر فيه نفسيا. البداية ملفته وقوية فيها النشوة والتحدي

هاج أميوم من دلجْ
على ربوع مجلهْ
وعاد أميوم ما سرجْ
أمدوف فعل فعلهْ
أنظر وأيت تفرجْ
من فعل تاك الحملةْ.

هاج اليوم من الفجر جدا، على ربوع أرض الجلة وسفوحها ومايزال اليوم ما سرج أي قبل الضوء، أمدوف ربما يقصد الدفوف والطبول، تعال وشوف وأنظر وتفرج من نظم وفعل هذه الحملة العسكرية.
نجد روعة توظيف الزمن كأن الشاعر يريدنا نعيش اليوم لحظة بلحظة، يذكر الزمن ثم المكان ثم اللحظة ثم يجعلنا كأننا نسمع المؤثر الصوتي لآن الرؤية ربما ليست واضحة تتضح سريعا ليدعونا جميعا لحضور هذه المعركة الشرسة.

من فعل تاك الحملةْ
فعله فعلة أمفرجْ
وطواها مجاملهْ
وهل محز ومهيجْ
أتو بتاك الآشلهْ
خلو أمروس كم حدجْ
ومرجلين مشنجلهْ

كأنه يريد القول أن هذه الحملة ظن الإمام أنها ستكون الفرج والنصر ولكن المجاملة جزء من الزرانيق وكل واحد منهم مسلح، أتو بتاك الأشلة أو العشلة وتعني العشلة وعشل كثرة التهريج ويقصد بها التباهي والتفاخر وفعل حماقات ينتج عن التباهي وأفهم هنا أتو أي قضوا على عشلة جيش الإمام وقد يقصد أن الزرانيق جاءوا متعاشلين فخورين بأنفسم ومن عجائب الشعر الشعبي التهامي فعل مذموم قد يكون محمودا ببعض المواقف وهنا عشلة ثقة وتباهي امام العدو وهذا مطلوب في الحروب الثقة في النفس والحماسة والروح العالية، وكانت النتيجة هنا يقدم النهاية الرؤوس مكومة أي رؤوس جيش العدو والارجل مشنجلة أي بعضها فوق بعض وقد يعني مفلوخة وفي غير وضعها الطبيعي، نقول يتشنجل وتتشنجل الرجل بحبل مثلا يلتوي عليها.

لنتا هناك شاتحرجْ
من فعل تاك الجهلهْ
جهله كلها أفجْ
ماهيش لا معقلهْ
مقيله تتزاعجْ
في شبه وأويلهْ
رصاصهم يتصارجْ
ونارهم مشتعلهْ
ومدخين في العججْ
كمغوبه متكولهْ
خلو مجيش في حرجْ
محاصروا من أكلهْ
قيل يأكل ملجْ
ويام ماي مجُدلهْ
ما حد منهم خرجْ
ولا رجع عند أهلهْ

هنا يقول ويرسل سخريته إلى الإمام لو أنت هناك ستصاب باحراج شديد فجيشك مهزوم من فعل وبطولات شبابنا الصغار، هم شباب شجعان والمسالة ليست بالعمر وفي تهام جاهل يعني طفل صغير وقد تعني أيضا الشباب الصغار ولكنهم فعلوا فعل الأبطال الرصاص يتلعلع والنار مستعرة وصارت أرض المعركة كأننا في الغوبة أي الريح الصيفية الملتهبة والمحملة بالغبار الحار، هؤلاء أبطال الزرانيق جعلوا الجيش في حرج وضيق وحاصروه فأكل الملج وهي ما يخرجه الجمل من فمه اذا كان البرسيم غير طيب ويشربون أوسخ الماء وامره لم يخرج من جيشك أي طاغية فردا ليعود إلى أهله.

ما قُت لك يا أهمجْ
فلا تبيت في مجلهْ
أمسيل لما يزعجْ
يكسر كل حاملهْ
وسرح زرنوق لا هجْ
واحدو يقابل عزلهْ
زرنوق ما تتحججْ
لما توطي مفعلهْ

الشتم والقدح تأتي بمفردات أقرب منها للصنعانية، ما قلت لك يا أهمج/ لا تبيت في الجلة فالسيل عندما يزعج أي يسير بقوة لن يوقفه أحد ويكسر أي عوارض أمام طريقه، زرنوق مفرد زرانيق أي يا زرنوق أمضي وأنتصر، توطي أي تفعل وكأنه يشجع الشباب يا شباب أنتم قادرين لفعل الكثير. ثم يمضي الشاعر يحكي ما حدث لقائد الجيش القيسي، فقد حاول الهرب لكنه وجد الموت وأستولى الأبطال الزرانيق على حصانه وسرجه وسلاحة وسقوط حصان القائد وسلاحة هزيمة نكراء ومهانة للجيش والإمام ويستمر ليخاطب في النهاية الإمام ويسخر منه.

قل للإمام لا تحرجْ
من فعل يوم مجلهْ
الله يعينك تنتجْ
وتبدلحنا جهلهْ.

يا إمام ما في أي حراج ربي يقويك تنتج أي تلد وتبدل لنا جهله جدد، وقد لاحظنا كان يسمي شباب الزرانيق جهله ويسمي رجال الإمام جيش أو حمله ولعل هذه التسمية جهله ربما الإمام وجيشه استخف بهؤلاء الشباب فهم لا يملكون تدريبا كجيش ولا سلاح ولا قوة ومع ذلك هؤلاء الجهله فعلوها وأنتصروا على الجيش والعدة والعتاد وهي معجزة تتكرر في كل الحروب فرجال المقاومة الذين يدافعون عن أرضهم يجب أن ينصروا في كل زمان ومكان فنحن هنا مع ملحمة بطولية رائعة كان يجب تخليدها في عمل فني، هنا رغم أن النص ليس طويلا جدا إلا أن كل عناصر الملحمة تكاد تكون موجودة.
نحن هنا مع شاعر يمتلك كل الأدوات الشعرية ويوظفها بحرفية درامية وملحمية عالية وليس مجرد قبيلي جاهل ولذلك صمدت وستصمد هذه القصيدة كل هذا الزمن الطويل ما يقرب القرن تقريبا، بالتأكيد فإن الأعلام ووزارة الثقافة منذ الثورة وإلى اليوم لن ترحب بمجرد طرح فكرة القصيدة وكانت الحديدة تحتفل كل عام بثورة سبتمبر بنصوص مدح للرئيس والنظام ولم يسمح لها حتى تخليد هذا النضال في شكل نصب تذكاري أو أي صورة لآن النظام الجمهوري عدى فترة حكم الحمدي كان الوجه الأخر لنظام الإمام وخلقوا من أنفسهم وآبائهم مناضلين ورموزا وكأن أهل تهامة كانوا هم من جاء بالتخلف والنظام الإمامي، التاريخ اليمني يحوي مغالطات كبيرة وماتزال عجلة تزوير التاريخ والحقائق مستمرة وتدمير تراث وفنون وتاريخ تهامة مستمرا وزيادة على ذلك سرقة ونهب الأراضي والثروات والخيرات وقتل الناس بكل الوسائل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى