من دفتر فتاة تونسية.. ريح  الصدى (4)

بقلم: نزهة المثلوثي

 ذبح أبي الديك وجلس صامتا متوجسا خيفة من حدوث مكروه وهو يتأمل ابن خالي  الذي لا يهجع ولا تهدأ حركته وقد كان يقفز ويتسلق الأشجار ويقطف الثمار ويتأرجح بين الأغصان المتدلية.

أحدث أنسا وضجة بعد سكون فسرني قدومه من’ لحواش’ ، بيتهم قبالة المحطة  يفضي إليه زقاق ضيق على جانبيه منازل عتيقة متلاصقة انعدم فيها الطير والشجر فابن خالي رضا لا عهد له ب” السواني ‘ الشاسعة والحقول الرائعة ..

أعجبه المكان فانطلق يكتشف روعة السحر في العالم الجديد

أنصت إلى أقواله وتبعت خطواته وهو يمشي ويقفز ويركض في جو ملأه الحبور والبهجة وكنت أقلد بعض حركاته وأجري خلفه محاولة اللحاق به

وفجاة تحول السرور إلى صراخ وركض تائه وبكاء ونحيب لما أوصلنا المسرب إلى صندوق خشبي كبير مثبت بقطع جديدية تحت شجرتي صنوبر ، لم يتردد ابن خالي في فتحه وما إن رفع  الجزء العلوي حتى نشبت النحلات إبرها في رأسه ووجهه وغطت ملامحه أطلق صرخات تردد صداها في فضاء “سيونفيل” وأسرع في اتجاه منكسر يجري ويقفز وآلاف مؤلفة من النحلات بين حاطة على. رأسه …ولاحقة به فبدت كالثائر لحريته وحياته

هرع أبي نحونا لما بلغه النواح والصياح فحملني وضمني بقوة وغطى ظهري ورأسي ببدلته ..وأسرع نحو الغرفة أدخلني وأغلق الباب الذي فتحته أمي بحذر وسحبت شالها وغطاء صوفيا وأحكمت إغلاقه وبقيت أستمع من ورائه لأصواتهم والبكاء …

ولم أدر كيف استطاعوا محاربة النحل المهجر المسجون  وإرجاعه إلى الصندوق الضخم ولم تفتح أمي الباب إلا بعد أن قصد أبي لحواش مرافقا الزائر إلى دارهم فنقلوه إلى المستشفى وقد كاد يهلك

عاد والدي قبيل غروب الشمس متعبا شاحب الوجه منزعجا وعلى جبينه وخده انتفاخ واحمرار.

جلست أمي بعيدة عن المائدة التي وضعت فوقها الكسكسي بلحم الديك والحمص …وبعد العشاء غسلنا ايدينا بقطعة صابون أخضر و ماء ابريق بلاستيكي وردي اللون ..

أخرجت أمي المائدة نحو المطبخ وأدخلت الكانون وقد توقدت ناره واحمر فحمه وضعت عليه “براد التاي “وأحضرت طبقا فيه كؤوس وعلبة سكر وقارورة ماء ..وبعد لحظات صبت الشاي تناول ابي كأسه وانطلق يلومها ويوبخها

– ما تسمعيش كلامي

علاه جايني ولد خوك ما يساعدنيش

أمه بعثاته ترتاح وهاي عملت حالة كي روح لها ملسوع

وكان طاح في البير

وقتها خوك  يحطني في الحبس

وكان دز بنتي في البير

اسمعي ننبه عليك مازال يجيني واحد من أهلك الدار معاش تطبيها

كان قلبي ينبض هلعا وخفت أن يسجن والدي بسبب الولد المتهور وأشفقت على أمي من شدة التوبيخ وكثرته وتمنيت لو أن رضا لم يأت

لم تنبس أمي بكلمة ولم يتوقف أبي عن اللوم والتهديد حتى نمت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى