الفلسطيني سلحفاة العصر
بقلم: توفيق أبو شومر
سأظل مسكونا بقصة الفنان والفيلسوف الحكيم الكبير الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد،
( أيسوب) في قصة السلحفاة:
“عندما تزوج زيوس، كبير الآلهة، فإنه دعا جميع الحيوانات لحضور حفل زواجه … فحضر الجميعُ إلا السلحفاةَ !
فلما رآها في اليوم التالي سألها عن سبب عدم تلبيتها لدعوته؟
فأجابتْ : ما أجملَ بيت المرء ، وهل هناك ما هو أجمل من البيت !!
فغضب زيوس من قولها، وعاقبها بأن ( تحمل) هي ونسلُها، بيتَها إلى الأبد فوق ظهرها !
فنحن الفلسطينيين لسنا سوى هذه السلحفاة، قدرنا، أن نحمل بيوتنا إلى الأبد ؟
هل عثر المحتلون الإسرائيليون على هذه الحقيقة، وعرفوا أن أثمن الأشياء عند الفلسطيني، هو بيتُه؟
لذلك فقد شرعوا منذ احتلالهم لأرضنا في تدمير بيوتنا ، بيتا وراء الآخر، حتى بعد تهجيرنا من أوطاننا؟
نعم يبدو الأمرُ كذلك، فإن المحتلين الإسرائيليين، لم يكفوا بعد أن سرقوا بيتنا الأولَ، عن مطاردتنا ليحطِّموا بيوتَنا أينما يجدونها.
سيظلُّ المحتلون يخشون الفلسطينيَ ، حاملَ بيته على كتفيه، أكثر َمن خشيتهم من السلاح والمتفجرات، لذا فهم قد وضعوا خطة شاملة لتحطيم بيوتنا الموروثة، أينما حللنا وارتحلنا!
المحتلون يعلمون بأن الفلسطيني هو الوحيدُ في العالم الذي يساوي بين بيته وعمره، يساوي بين حياته كلها وبيته، وهو الوحيد الذي يستغرقُ في بناء بيته سنواتٍ طويلةً، فهو يمضي أكثر من نصف عمره في بناء بيته، لذا فلا غرابة حين يعمدُ المحتلون، دارسو النفسية الفلسطينية، من حظر دخول مواد البناء، واعتبار هذا الحظر أهمَّ من حظرِ السلاح والغذاء والدواء!
وهم دوما يُصابون بالدهشةِ عندما يرون الفلسطيني يستحدث بيتا جديدا من مواد جديدة، ويُعلِّم أبناءه طريقة البناء، وهم قد اقتبسوا من الفلسطيني هذه السمةَ، وعلموَّها لأجيالهم بطريقتهم!
ليس غريبا على المحتلين عندما ينتقمون من الفلسطينيين بهدم بيوتهم، وتدمير ممتلكاتهم، وهم بالطبع يصابون في كل مرة بالدهشة، عندما يجدون بأن الفلسطيني السلحفاة أعادَ بناء بيته من جديد!
لم تستفد إسرائيل من تجاربها السابقة، وهي اليوم تواصل مهنتها الأزلية في هدم بيوت الفلسطينيين في مسلسل هدم دروع السلاحف الفلسطينية، الذي تُكرِّرُهُ اليوم للمرة الألف، في قطاع غزة!
أيها المحتلون، عبثا جهودكمُ، فبيتُ الفلسطيني، ليس من مواد بنائكم، ولا يخضع لمواصفات البناء المعتمدة عالميا، وعندما تُفجِّرونها، فإنكم تنقلونها – من حيث لا تدرون- إلى أعماقنا، وتضعونها في قلوبنا وشما أبديا!
فبيوتنا جيناتٌ نورِّثها لنُطَفِنا، كما نورِّثهم قسماتِ وجوهِنا وأسماءنا وعاداتنا وتقاليدنا وصمودنا!
عبثا جهودكُمُ- أيها المحتلون- فالفلسطينيٌ هو الوحيدُ الذي لا يخرجُ من الرَّحِمِ، إلا وهو يرتدي درعا، منقوشا فوقه، اسمُ قريةِ أجداده، وصورةُ بيتُه الأزليُ الذي يستعصي على الهدم والدمار، وعلى كتفيه مِعولُ وأدواتُ بناءِ البيت !