حين تجري الماء من تحتنا
بقلم: عدنان الصباح | كاتب فلسطيني
لقاءات ماراثونية صامتة واتصالات هاتفية ساخنة ففي حين تتواصل المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس من جهة وممثلي دولة الاحتلال من جهة اخرى يتقن الجميع الصمت عما يجري وما يدور في هذه المحادثات وفيما عدا العناوين الرئيسية فان احدا لا يدري الى اين ستقود هذه المفاوضات التي لا يمكن ان تكون مقتصرة على قضية تبادل الاسرى وهي بالتأكيد تبحث قضايا انسانية كإعادة الاعمار وتزويد غزة باحتياجاتها وكذا رفع الحصار والوضع الامني والسياسي المستقبلي والذي يهم مصر كذلك فهي في موضوع غزة لا يمكن اعتبارها وسيط فغزة هي العمق القومي والامني لمصر وهذا ايضا بات ينسحب على تركيا التي تقول الاخبار ان لها مصلحة في استغلال الغاز الفلسطيني وايجاد ممر بحري بينها وبين غزة وفي هذه الاثناء تحدث الرئيس التركي مع رئيس دولة الاحتلال ومن الواضح ان هذه المحادثة الهاتفية كانت دافئة بشكل كبير كما ظهر من تصريحات الطرفين وحسب وكالات الانباء فقد ” أعلن عمر جليك، المتحدث باسم حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، أن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من الخطوات الملموسة في العلاقات مع إسرائيل,وقال جليك، عقب اجتماع للحزب لدى تقييمه للاتصال الذي أجراه الرئيس رجب طيب أردوغان بنظيره الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، (الاثنين): “من الآن فصاعدا، سنرى المزيد من الخطوات الملموسة”، بحسب ما نقلته قناة “تي آر تي” التركية, وأضاف: “لقد وضعنا إطارا نتحرك فيه قدما في عدد من القضايا”، لافتا إلى أن القضية الفلسطينية ستكون في مقدمة هذه القضايا التي سيتم بحثها بين الجانبين الإسرائيلي والتركي” وحسب صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية فان السفير التركي لدى الولايات المتحدة نقل رسائل الى الحكومة الاسرائيلية حول استعداد تركيا للقيام بدور الوسيط بينها وبين حركة المقاومة الاسلامية ” حماس ” وما يعني ان خارطة ما بعد نتنياهو وما بعد حرب 11 ايار مختلفة كليا عما قبلها ويبدو في الأفق ان تغيرات سياسية ستحدث قبل نهاية هذا العام خصوصا وان حكومة الاحتلال الجديدة تحظى بدعم غير محدود من قبل الولايات المتحدة الامريكية وان جميع الاطراف ترغب بلعب ادوار مختلفة في الشرق الاوسط كالصين وروسيا والدول الاوروبية المعنية وما التدخل الامريكي والبريطاني وما تبعه من تأييد عالمي للعاهل الاردني في المؤامرة الاخيرة على نظامه الا تأكيد واضح على رغبة الجميع باستقرار منطقة الشرق الاوسط فالأوضاع بدت قابلة للتحولات الايجابية نحو الاستقرار بعد عقد عاصف وهذا بات واضحا في سوريا وليبيا وعودة المحادثات الامريكية الايرانية واحتمال حدوث اختراق سلمي في جبهة السعودية – اليمن برغبة ايران وكذا في لبنان الذي يتم حشره في الزاوية للوصول به الى ما يريدون.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس بدوره اتصل برئيس دولة الاحتلال مهنئا اياه بانتخابه وجاءت التصريحات الصادرة عن مكتب الرئيس عباس ان هرتسوغ اعرب عن امله بقرب تحقيق السلام وقبل ذلك دخلت روسيا ايضا على خط العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية عبر اقتراح قدمه وزير الخارجية الروسي باستضافة مفاوضات جديدة بين فلسطين واسرائيل وكذا كانت الدعوات الامريكية لعودة الطرفين للمفاوضات وقد ظهرت حكاية الحكومة الاسرائيلية الجديدة وكان مغارة علي بابا قد انفتحت واظهرت تغييرا خطيرا بالخارطة السياسية في المنطقة وكان ذلك جليا بمشاركة احد القوائم العربية في حكومة مختلطة عجيبة ولأول مرة تتنافس قائمتين عربيتين بل وتتعارضان في الاعمال التشريعية وقد صوتت القائمة الموحدة ضد القائمة المشتركة علنا خدمة لتحالفها الحكومي
انتهت الازمة القطرية مع دول الخليج ومصر وباتت الاتفاقيات العربية الإسرائيلية الجديدة امر واقع مقبول بعد عودة علاقات السلطة الفلسطينية مع تلك الدول وزيارة اسماعيل هنية العلنية الى المغرب بل وتصريحاته الايجابية تجاه الملك والحكومة وكذا عودة العلاقات التركية المصرية وزيارة الرئيس محمود عباس لتركيا واسكات تركيا لأصوات المعارضة المصرية من على اراضيها مما يشير الى رغبة جميع اللاعبين الكبار بالانتقال الى حقبة جديدة من الاستقرار في المنطقة وكذا تواصل المفاوضات بين حماس واسرائيل بوساطات مصرية وتركية وغيرها بصمت وبدون ضجيج ولا أي تصريحات من الطرفين بل يبدو انهما معنيان بالانتهاء من هذه المحادثات مرة واحدة والى الابد بما يشمل ايجاد هدوء حقيقي واستقرار دائم يبدو ان ادارة بايدن تسعى اليه بجد وهو ما بدا واضحا من طبيعة الاهتمام الذي توليه الادارة الامريكية لمنطقة الشرق الاوسط وكذا تسابق الدول الكبرى جميعها للحصول على دور ما في الشرق الاوسط وبأشكال مختلفة.
وفي المقابل يبدو ان الضحية الحقيقية للاستقرار في الشرق الاوسط ستكون السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس فمنذ حرب 11 أيار وحادث مقتل الناشط نزار بنات ادار العالم ظهره للسلطة الفلسطينية في رام الله واغلقت كل مصادر الدعم وبات التهديد حقيقي بعدم قدرة السلطة على الوفاء بالتزاماتها وخصوصا رواتب العاملين وهو التحدي الدائم لها علما انها احوج ما تكون لذلك في ايامها هذه ومنذ تلك الحرب يخضع الرئيس الفلسطيني لحصار حقيقي من الجميع وحسب امين سر اللجنة التنفيذية فان ايا من الزعماء العرب لم يتصل بالرئيس الفلسطيني خلال الحرب وعلى صعيد اخر تتواصل التطورات في علاقات حماس مع الاخرين من زيارة اسماعيل هنية الى المغرب وتطور العلاقة مع مصر والدعوات الاردنية للحكومة لفتح قنوات تواصل مع حماس واستضافة قناة العربية لخالد مشعل الذي دعا الى عودة العلاقات مع السعودية ورحب بها وتحدث بإيجابية واضحة عن السعودية وغيرها وكذا اللغة السياسية المخففة للهجوم على حماس من قبل الولايات المتحدة الذي يبدو انها فتحت قنوات خلفية للعلاقة مع حماس عبر مصر وقطر وغيرها وهو ما ستظهره الايام القادمة حين تظهر للملأ نتائج المباحثات الماراثونية المغلقة في القاهرة.
الاستقرار القادم الى الشرق الاوسط قريبا سيعلن على جثة جهة ما ولا يبدو في الافق ان هناك ضحية غير السلطة الفلسطينية في رام الله بعد ان فقدت او كادت ان تفقد اوراق اللعبة وبعد ان جلب لها مقتل نزار بنات كل اشكال النقد والمقاطعة من كل الجهات بما في ذلك الاحتجاجات الشعبية الداخلية وما رافقها من عنف من قبل السلطة التي وجدت نفسها امام انتقادات دول العالم ومنظماته ومطالبات بالعودة للانتخابات واطلاق الحريات وربط اية مساعدات بذلك وقد ظهر جليا اثناء جولة رئيس الوزراء الفلسطيني في الخارج ان الجميع اغلق مزاريب الدولارات في وجه السلطة وان الظاهر ان لا احد يرغب باستقبال احد من وجوهها وعلى العكس من ذلك تجد حماس قبولا عربيا واسعا بل ورغبة جامحة شعبية ورسمية بتوثيق العلاقات بها وهذا يعني تكريس اخطر للانقسام وربما تطوير عميق يؤدي الى كوارث على صعيد القضية الوطنية الفلسطينية برمتها, وكل الامل لدى الفلسطينيين ان لا يجدو انفسهم وقد غرقوا في مستنقع المؤامرة الكونية على ما يبدو عليهم وعلى قضيتهم واعتبارهم كبش فداء الجميع لصالح الجميع الا فلسطين.
على صعيد آخر فان حكومة دولة الاحتلال تحاول ان تظهر للإعلام انها حريصة على بقاء ونجاح السلطة في رام الله عبر الكثير من التسريبات ومن بينها التسريب الاخير حول توصيات اجهزة امن الاحتلال بعدم اقتطاع مبالغ المقاصة لمساعدة السلطة على مواجهة منتقديها والصمود في وجه ما يعصف بها, وتعرف اسرائيل والمراقبين ان كل مديح اسرائيلي للسلطة يقلل من تأييدها واستقرارها وليس العكس وكذا ما يأتي من دعم لفظي من قبل الولايات المتحدة الامريكية, وبالتالي فان المديح الملغوم والحرص العلني الملغوم على بقاء السلطة وانجاحها دون خطوات عملية حقيقية يجعل السلطة في موقف اكثر حرجا ويضع العربة على سكة لا احد يدري مبتغاها وهو ما يقلق الشارع الفلسطيني ويجعل من الغد مظلما بما لا يحتمل اذا لم تبادر قوى هذا الشعب بإخراجه من حالة التيه واجابته على كل اسئلته العالقة بلا اجابات وفي المقدمة سؤاله الاول الى متى هذا الإنقسام وهل صار قدرنا الذي قد نجده يتكرر ام ان لدينا من يرغبون بدفنه وقادرون على فعل ذلك.