حكايا من القرايا “رحلة العروس”
عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين
ضحى ذاك اليوم، هبت نسائم لطيفة، وكانت البلدة تزخر بالسيارات، والشاحنات الصغيرة وحتى التراكتورات الزراعية… سيارات ملآى بالرجال، منهم من لبس البدلة الرسمية، وآخرون لبسوا الدماية والجاكيت والحطّة والعقال… ونساء لبسن أجمل ما يملكن من المردّن واليلك والمكشكش، والذهب يلمع في رابعة النهار في رقابهن… وأيديهن ترعد إذا تحركت وتخشخش من صوت الذهب، وتبرق لمعاناً إذا سكنت… بيادر البلدة صارت (تِنْعَف نَعِف) (زلام) أتوا من كل فج في فاردة، تجمعوا في المزهرية، وأتوا إلى العطريّة ليكونوا ضمن فاردة العروس سعدى بنت أبو مروح الصياد…
على البيادر، اختلط صوت خال العروس أبو أحمد الساطور بصوت زغاريد النساء ومهاهاتهن… وانقطعت أصوات النساء، وانطلق صوت أبو أحمد يرمي طلاقاً وراء طلاق، “هالعاروس ما بتطلع إلا بهدم الخال” وصار الجدل واللغط على البيادر، منهم من قال: حقّه، فهو الخال… ومنهم من اعترض لأن الطلب فاجأهم ولم يكن ضمن المتفق عليه من شروط الحل والعقد… وتوقفت الإجراءات إلا من زوامير السيارات التي أطلقت أبواقها وقد احتج أصحابها على الوضع، ويدعون إلى الإسراع في حلّ الإشكال، فالجماعة وراءهم أشغال… وجاء من طرف القوم رجل غانم يسعى… وحمل رزمة نقدية وأعطاها للخال… وحلّت المشكلة… وكنت تسمع دعوات “الله يحييك، والله يكرمك ” من الحضور كلهم… وغنّت النساء، وهاهت… وزغردت…
بعد نحسة الخال، جاءت نحسة أخرى، نسيت الفاردة عباية للفّ العروس بها، المنديل الأخضر الذي يغطي الوجه موجود، لكن العباية منسية في المزهرية… ضرب أبو العريس كفاً على كف… لكن ابن خالته في العطرية، أسرع إلى بيته وأتى بعباءته… لفّوا العروس بها، وخرجت من بيت والدها إلى سيارة مزينة بقصوف الزيتون، والزهر البرّي، والحنّون، والشَبَر الملون إلى بيتها الجديد…
أكثر من نصف ساعة والسيارات مشغولة بالتدوير، وتنظيم نفسها في صف واحد، يسير بسرعة واحدة بزامور واحد… تتقدمهم سيارة العروس…
في منتصف المسافة بين العطرية والمزهرية، والطريق محفوفة بالأشجار على الجانبين، فاجأ الفاردة شباب… خرجوا بشكل سريع من بين الأشجار، وصاحوا بالفاردة حتى توقفت… خرج بعض رجال الفاردة من السيارات، قال الشباب: نريد شاة الشباب… تلك الشاة التي يدفع ثمنها العريس الغريب عن بلد العروس… يدفع ثمنها لشباب بلدة العروس، حتى يأذنوا لهم بأخذها… ودار التفاوض على دفع آخر… وجاء من آخر السيارات رجل غانم يسعى… فاوض الشباب بنخوة الغانمين… ودفع المعلوم… فهاهت النساء وزغردت، وزمرت السيارات…
الحمد لله وصلت الفاردة بلدة المزهرية، وكان الخلاف محتدماً بين (أبو إبراهيم) و(أبو صالح)، من يربط محرمته على أنتين السيارة إيذاناً بدعوة العروس إلى بيته، وقضاء سحابة ذاك اليوم في بيته، لنقلها عصراً إلى بيت العريس… لكن بعد العقبات التي واجهت الفاردة واختصاراً للشر، وتسهيلاً لمعاملة العرس، تنازل أبو إبراهيم عن دعوة العروس لصالح (أبو صالح)، وخبّأ محرمته في جيبه… وصلت العروس بيت (أبو صالح)… وسط نساء غريبات يغنين لها… نساء المزهرية… في الظهر كان أهل العريس يرفدون بيت (أبو صالح) بسدرين من الرز واللحم وطاسات من اللبن… وفي العصر أتوا بفرس مزينة مشرشبة، قادها أبو العريس، وركبتها العروس، وانطلقوا رجالاُ ونساءُ إلى بيت العروس الجديد…