رواية عطر الأرواح الطيبة.. حفلة وفرحة (3)

موزة المعمري | سلطنة عمان

“يأتينا الفرح أحيانا فجأة من دون أن ندري أو نحسب له حسابا”

تمر الأيام والأسابيع والأشهر تباعا من دون أن نشعر بمرورهم السريع, ها هي قصائد قد أنهت سنتين دراسيتين جامعيتين, وهي الآن تحضّر نفسها للذهاب لحفل يوم ميلاد صديقتها الحميمة نور, هي مرتبكة في غرفتها وقد بعثرت كل شيء في أرجائها, الملابس ومساحيق التجميل ومشط الشعر وما إلى ذلك, هي غير معتادة على ذلك بل هي معتادة على الترتيب والتنظيف ولكنها الآن في عجلة تامة من أمرها وعليها من أن تقصد الحفل بسرعة فقد تأخرت, قصائد ارتدت ثوب أرجواني اللون مع قرطين وعقد من اللؤلؤ وكانت تضع في تسريحة شعرها مشبك مزركش بزركشة جميلة وفضي اللون.

صعدت قصائد سيارة شقيقها وانطلقا لمنزل صديقتها يبغيان الحفل

شرف : سأوصلكِ ثم سأذهب ومتى تنتهي الحفلة اتصلي بي وأخبريني

قصائد : حسنا

ووصلت قصائد لمنزل صديقتها, رحب بها الخادمين اللذين كانا يقفان عند البوابة يستقبلان الضيوف, دخلت وهي تنظر حديقة المنزل بانبهار, هي بالطبع ليست المرة الأولى التي ترى فيها مدى فخامة حديقة ومنزل والدي صديقتها ولكنها كانت مبهورة بكل تلك الزينة المنتشرة في أرجاء الحديقة, رأت أيضا بيانو كبير أسود اللون كان قد وُضع هناك ولكنها لم تكن لتفهم ماذا يفعل البيانو في الحديقة؟ كانت

أيضا تستغرب من وجود الشباب الذكور في الحفلة فهي غير معتادة على اختلاط الذكور مع الإناث في هكذا حفلات فعادات عائلتها تختلف عن عادات عائلة نور, اقتربت من صديقتها التي كانت مشغولة بالحديث مع صديقاتهن الأخريات ثم تعانقن بكل سعادة.

 وانقضت ساعة كاملة فقط في الاستقبال والترحيب وإعطاء الهدايا لنور وتناول المقبلات, ثم أتى قالب الحلوى الكبير كي تقطعه نور, نور هي ابنة والديها الوحيدين ولم ينجبا غيرها, فوالدتها تعمل في تصميم الأزياء وواجبها الفكري يحتم عليها من إنجاب طفل واحد فقط, أما الأب فهو دائم السفر بحكم أعماله التي لا تنتهي فهو تاجر كبير, ولكن نور برغم وحدتها وجدت لها صديقة حميمة وفيّة وهي تعتبرها كأخت لها ألا وهي قصائد.

أطفأت نور الشموع ثم قطعت قالب الحلوى وسط تصفيق الجميع لها وسعادتها هي, وبعد أن قدم الخدم قطع الكعك على الجميع وتناولوها قالت نور للجميع

نور : والآن سنستمع جميعا لعزف بيانو جميل من يدي المبدع ابن خالي أمان, وهذه هي هديته لي, أمان أرجوك تفضل

نهض أمان من على المقعد الذي كان يجلس عليه ثم اقترب بهدوء خطواته من البيانو وجلس على المقعد وبدأت أنامله تراقص أنامل البيانو, بدأت الفتيات يتهامسن وكذلك الفتيان, نور لم يعجبها ذلك وكانت قصائد تستغرب من همسهم ولكنها كانت في ذات الوقت مبهورة النظر لأمان ولعزفه.

هناك شيء غريب بدأ يختلج في صدر قصائد لم تكن لتفهمه, لماذا بدأت دقات قلبها في التسارع؟ ولماذا لا تستطيع من أن تبعد نظرها عنه؟ ولماذا لم تنتبه لوجوده مسبقا برغم أنه كان جالسا على المقعد ولم ينهض قط؟ من يكون أمان هذا الذي بات يشغل فكر قصائد؟

وانتهى العزف وصفق الجميع لأمان ثم ذهبت نور لتقترب من ابن خالها وتأخذه من يده اليمنى ثم تقترب به من قصائد

نور : أعرفكما على بعضكما البعض, هذه صديقتي العزيزة قصائد, وهذا ابن خالي العزيز والوحيد أمان

أمان نطق بصوته الهادئ وهو ينظر قصائد بإعجاب كبير : تشرفت برؤيتكِ ومعرفتك

قصائد بارتباك : الشرف لي أنا

بقيا ينظران لبعضهما البعض وقد لاحظت نور ذلك ثم قالت لهما

نور : سأذهب قليلا ثم سأعود

تركتهما وسط ارتباك قصائد وكذلك ارتباكه هو, ثم نطق وقال:

أمان : هل تشربين شيئا؟

قصائد : لا شكرا

ثم صمتا وبعدها قالت هي : عزفك جميل, أنت مبدع

ابتسم هو قليلا ثم قال : شكرا لكِ

وأخذا بالتحدث وسط نظرات وسعادة نور بهما

مر الوقت وانتهت الحفلة وغادر الجميع, كانت قصائد قد اتصلت بأخيها مسبقا حتى يأتي ويقلها للمنزل ولكنه تأخر عليها كثيرا, لم يعد هناك أحد سوى قصائد ونور وأمان

نور : لا تقلقي سيأتي

قصائد : ولكنه تأخر كثيرا, ثم إنه لا يجيب على اتصالاتي

أمان : سأوصلكِ أنا إن رغبتي

قصائد بارتباك : لا شكرا, سيأتي أخي بلا شك

نور بسرور : أتمنى أن لا يأتي, حتى تنامين ليلتكِ معي

وبعد قليل دخل شرف للحديقة ثم اقترب من شقيقته وألقى التحية بالطبع على أمان ونور ثم قال: 

شرف : آسف لتأخري, هناك حادث سير كان على الطريق وهو من أخرني, ثم إن شحن جهازي النقال قد نفذ

قصائد : لا بأس, أعرفك على أمان ابن خال نور

شرف مصافحا أمان : مرحبا بك سعدتُ لرؤيتك ومعرفتك

أمان : وأنا كذلك

ثم استأذن الأخوين وغادرا, ولكن في السيارة دار حديث بينهما

شرف : ما حكاية هذا الشاب؟

قصائد : من؟ أمان؟

شرف : أجل, لماذا يغطي نصف وجهه بشعره؟ ولماذا شعره طويل هكذا؟ أمره غريب!

ولكن قصائد لم تره غريب, بل رأته فريد من نوعه وهو الآن يشغل فكرها, عادت للمنزل ثم دخلت غرفتها وهي مسرورة جدا وقلبها يرقص طربا, أمان أدخل إلى قلبها فرحة جميلة تختلف عن فرحها السابق في حياتها بأسرها, وقفت في شرفة غرفتها وأخذت بالنظر للنجوم المتلألئة في السماء بسعادة ثم اقتربت من سريرها وارتمت عليه بينما كانت ابتسامتها العذبة تملأ وجهها الجميل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى