هكذا تكلم الشاعر محمد آدم: خسرت كل شئ، وكاد أتضور جوعا من أجل الشعر

الأديب حيدر الشماع  | العراق

(من قال إن العقل عاجز    إنه الضرير الأعمى)

كثيرة هي الثقافات والدراسات التي تتداولها الشعوب باختلاف الألسن وطرق التفكير ورسوخ مجتمعاتها،وقد استعصت على البعض الإمساك بجانبها ونأت عن أن تخضع لحد مانع ولهذا فإن أي محاولة لفهمها والوقوف على دقة معانيها سوف يعتريها القصوروالنقص وأي عمل لتعريفها بمعزل عن مجتمعها التي أنتجتها تكون تجربة غير حقيقية عن روحها، ولكن أي ثقافة تحاول أن تتخلى عن خصوصيتها بقصد الوصول إلى العالمية ، ولكن قد تجابه بمحدودية محليتها بسبب النظم المحيطة بها وتغلقها على سياقاتها الداخلية ولايمكن تعميمها بسبب اختلاف الثقافات والتشكيلات الحياتية ،وخير مثال يمكن الأخذ به هو تجربة الشاعر الدكتور محمد آدم والذي يعتبر من جيل الرواد الذين حاولوا كسر الطوق وعمليات تضييق الخناق على القيمة الفكرية والفلسفية والمعرفية للقصيدة الشعرية، من خلال الانفتاح الثقافي وتوسيع مدارك البحث ومدارك العقول في فضاءات ومدارات وتجارب معرفية أخرى، قصد دمجها في سياقنا الثقافي وكسر الحدود القومية والعرقية لتحقيق خطاب عالمي إنساني، وقد بذل الجهود المضنية في الولوج إلى مداخل عميقة في المدارس الفكرية والفلسفية الغربية وسبر اغوار ومجاهيل النفائس في خزائنها وترجمتها في تجربته الشعرية، ولقد كانت اجازته في الدكتوراه عن (فلسفة الجمال عند باختين) في تلك الحقبة مغامرة كبيرة أمام اصحاب المشاريع المحدودة، وقد حاول مع مجموعة من الرواد أن تلقي البذوروتطرح بعض تجاربها لمد وشائج قوية مع الفكر العالمي المتسارع، منهم سعدي يوسف وسركون بولص وجان دمو وغيرهم الذين نهلوا الأسلوب الفلسفي منطقا رحبا وفضاءا فسيحا لإيصال الشعرية العربية إلى مصاف العالمية.

   قبل فترة وجيزة أثار انتباهنا ملف نشر في موقع مجانين قصيدة النثر، فأحببنا الاستزادة والإفاضة في البحث والاستقصاء عن الشاعر محمد آدم من خلال آثاره، وحاولنا الاتصال به والتعرف إليه شخصيا وكان لنا ذلك، وتم الترحاب والتحاور من لدن الشاعر الكبير الذي أخذ منه الزمن مأخذ كبيرا ومؤثرا ولم ينصفه ويؤتيه ثمار جهوده التي أفنى فيها عمره في رفع شأن الأدب العربي من المحلية إلى العالمية، ومن المصادفة وجدنا الدكتور محمد آدم من مجايلينا وكان في بغداد يرتاد نفس ملتقياتنا من خلال الأصدقاء الذين ذكرهم لنا وكانوا أصدقاءنا قبل أربعين عاما، منهم من غيبهم الموت ومنهم من أخذته المهاجر، وجدناه شاعرا فيلسوفا مفكرا متمردا على المألوف وهذا ما ميز مدرسته الشعرية المتفردة حتى على أدونيس وأنسي الحاج ومحمد الماغوط وكان أكثر جرأة في الطرح، فكان لنا بعض التحاور واستذكار لحظات الماضي بحزنه وفرحه وفتح لنا صدره وفكره وأعطانا الضوء الأخضر في البحث في آثاره والكشف بين ثناياها وسبر أغوارها ،وكما نعلم أن الدخول في المتاهة سهل يسير ولكنه مغامرة خطيرة، إن الخروج صعب مرير ولايمكن الهرب إلا بتكملة الطريق بكل مفاجآته، متخذا الدلالات سبيلا.

    إن متاهات الشاعر الفيلسوف محمد آدم واسعة غزيرة بدأت منذ 1988 في (متاهة الجسد)، وانتهاء (نشيد آدم) مؤسسا مدرسة شعرية تعتمد الدهشة والنص المفتوح، باعتماده المدارس الفلسفية أساسا للانطلاق نحو مصارحة النفس والبحث عن الذوات وعن أسباب ودواعي الوجود وكينونتها أمام عالم مائج متلاطم بمختلف التيارات الفكرية.

   إن فلسفته في متاهة الجسد، إن العالم ليس سوى هذا الجسد وما من نوازع وشهوات هي الباعثة والباثة للاستكشاف والاختراع، إن الجسد الإنساني هو الأولى بالاحتفاء والاحتفال بكل ماهو جسداني فالرغبة والحاجة أساس الوجود والوجود يتحرك من خلال الرغبة والشهوة التي أساسها إشاعة الحب والمحبة للإنسانية، ليس كما يصورها بعض الحداثيين، فبدلا من تعميق مفهوم الجسدانية باعتباره تصورا وفكرا وعالما وسبر أغواره وملاحقة تجلياتها على الإنسان والواقع، تحولت فلسفة الجسد إلى الكتابة الغريزية عن الايحاءات الجنسية بكل ماتثيره من تقزز واشمئزاز وهذا راجع إلى ضعف الثقافة لدى هؤلاء،

       سأغترف من سموات الجسد ومواويله

      ماتنوء عن حمله الذاكرة

      ومالايقدر على حمله جسد أخر

      سألتف على نفسي

      وأمسك بكرة الهواء وأدثر كلماتي

      وأتعلق بقصبة الروح الفارغة

      وافك مغاليق الجسد

      الجسد مفتاح العالم

      بين الجسد والجد برزخ

      لايعبره النهار الابالليل ولايجتازه الليل إلا بالنهار

      العالم يفقد أطرافه

     وأسطوانة الجنس دائمة التحولات

      هل ضاقت بك العبارة

      فأتسعت حقيقة الرؤية

      امام ضاقت الرؤية فأتسعت العبارة

إن العامل الفكري والنفسي كان له الأثر في فلسفة محمد آدم الشعرية وكذلك تأثره بالتراث العربي، فقد قرأ ابن العربي والحلاج والفكر العقلاني لدى المعتزلة ،ومناظرات ابن رشد وسائر فلاسفة الإسلام، كما قرأ دستوفسكي وكان للفيلسوف نيتشه العمق في أفكاره الشعرية، إن المعاناة والبؤس وعوامل القهر شكلت لديه ذلك الوجدان المتوهج وعدم الوثوق في العدالة المطلقة.

سألها أفلوطين عن العلاقة بين المجرد والمحسوس

ماهو الخيط الرفيع

مابين النهرين المرئي واللامرئي

وفي أي طاسة من طاسات الكون المعطوبة

يمكن لنا نحن الأحياء الموتى

والموتى الأحياء

أن نعثر على الحقيقة كاملة

إن كان العدم يتربص بنا

في نهاية الدورة الدموية للعالم

أما الحقيقة

فليس هناك حقيقة واحدة على الإطلاق

في هذا الكون

طرق الرب متعددة ووعرة

قد تكون الأشياء ملهمة لالتصاقها بالإدراك العقلي الجمالي، وقد يعتبر الشعر ضربا معينا من الفكر ولكنه ليس رداء للفكر وانعكاسه الجمالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى