جمال اسمُكَ راياتي التي ارتفعت في لجَّةِ الهَول
زياد شليوط | منسق لجنة مئوية جمال عبد الناصر في الداخل الفلسطيني
جمال اسمُكَ راياتي التي ارتفعت في لجَّةِ الهَول (هارون هاشم رشيد)
عندما يتعرض شعب لأزمة ما، أو يدخل في ضائقة جماعية ويقف أمام تحديات مصيرية، نراه يلجأ إلى استحضار رموز من تاريخه كان لها دور في رفع معنويات الشعب، وتعزيز صموده وحثّه على المقاومة وتحقيق مطالبه، وهذا ما رأيناه مرارا في أكثر من موقع ومفصل لدى الشعوب العربية التي تعرضت ولا تزال تتعرض لتحديات مختلفة، وفي كل مرة يكون القائد العربي جمال عبد الناصر حاضرا، ففي الليلة الظلماء يفتقد البدر كما قيل، هكذا قبل عشر سنوات عندما انتفض الشعب المصري على نظام مبارك الفاسد، حضر عبد الناصر بقوة في ميدان التحرير والميادين والشوارع المصرية، كرمز للنقاء والقيادة الوطنية المخلصة الملتحمة مع شعبها وكرمز للخلاص من الفساد المستشرس، واليوم يعود عبد الناصر بحضور أكبر وأقوى، في الأزمة الجديدة التي تعيشها مصر اليوم، وفي التحدي الكبير الذي تواجهه والمتمثل في اقدام أثيوبيا على سرقة مياه النيل وحجزها في أراضيها، مهددة شعبي مصر والسودان بالعطش بل بالموت، نتيجة حبس مياه النيل عنهما، ومعروف لنا بأن مصر لا يمكن لها أن تعيش دون النيل، مصدر المياه الوحيد لها والذي يهب أرضها وزرعها وشعبها الحياة.
في ظل الأزمة الجديدة يتم استحضار جمال عبد الناصر، ليس الشخص بل الرمز، عبد الناصر الرئيس القوي صاحب الكاريزما التي تعدت حدود بلاده، الرئيس المصري الذي نهض بأفريقيا فنهضت معه وظلت مخلصة له. عبد الناصر القائد الأسطوري الذي عرف كيف يجمع الشعب على كلمة واحدة والذي التف حوله وسار وراءه بثقة مطلقة لأنه رأى فيه القائد المستقيم، النظيف، الوطني، الغيور على بلده، الحارس لشعبه. عبد الناصر الزعيم الشعبي الذي ربطته بشعبه علاقة مميزة قلما حظي بها زعيم على مر التاريخ، قائمة على الحب والوفاء والقرب وإزالة الحدود المصطنعة بين الشعب وقائده. يعود اليوم عبد الناصر ليحضر بقوة في التحدي الجديد الذي تواجهه مصر، ابتداء من تعليقات المحللين والباحثين في اللقاءات الإخبارية في المحطات المرئية والمسموعة والمكتوبة، الذين يستشهدون بالزعيم جمال عبد الناصر ومكانته وتأثيره التي ما كانت تسمح بتصاعد أزمة مياه النيل إلى حد المواجهة العسكرية بعد انسداد كافة الطرق السياسية والدبلوماسية، فحكمة عبد الناصر وعلاقاته وحجم تأثيره ما كان يوصل مصر الى هذا المكان المحرج والدقيق، هذا الموروث العظيم داخل أفريقيا الذي فرط به سريعا السادات ومن بعده مبارك وتركا لإسرائيل الساحة واغتنم نتنياهو الفرصة، وباتت إسرائيل صديقة لمعظم الدول الأفريقية، وتحول دور مصر إلى دور هامشي بعدما كان الدور الأساس على الساحة الأفريقية، التي رأى فيها عبد الناصر الضلع الثالث إضافة الى الضلعين العربي والاسلامي.
واليوم عاد الكثيرون ليذكروا أهمية ودور السد العالي وخيراته العديدة زراعيا وصناعيا بل وجوديا للشعب المصري، هذا المشروع الكبير والريادي الذي بادر إليه الرئيس جمال عبد الناصر وأنجزه في ستينات القرن الماضي بدعم ومساندة الاتحاد السوفييتي في ذلك العهد، بعدما تعرض لهجمات حاقدة ومعادية عديدة، وادعاءات كاذبة ومشوهة بأن السد العالي سبب الدمار لمصر، اليوم بات الجميع يعترف بأهمية هذا المشروع العملاق، وما جلبه من خيرات لمصر وشعبها وأرضها. اليوم يعترف الجميع – بمن فيهم خصوم عبد الناصر- بفضل الزعيم وفضل مشروعه على مصر.
ان استحضار عبد الناصر عند الأزمات والتحديات لا يأتي من باب البكاء والتقديس، بل من باب استعادة التجربة والاستفادة منها، بعد تشذيبها وتنقيتها من الشوائب والنواقص والأخطاء التي اعتورتها، لأن الأيام أثبتت أن التجربة القومية الناصرية، والنهج العروبي الناصري هما الخلاص والملاذ للشعوب العربية والضمان لاستعادة مكانة العرب وممارسة دورهم التاريخي.
وقد قيل إن الصدفة أفضل من الميعاد، فما بالك عندما يجتمعان معا، صدفة الأزمة مع أثيوبيا مع موعد ذكرى ثورة 23 يوليو الـ69 التي قادها البكباشي جمال عبد الناصر مع صحبه من “الضباط الأحرار”، ليثبتا لنا ما ذهبنا إليه في مقالتنا هذه، والى بعد نظر وصدق شاعرنا الفلسطيني هارون هاشم رشيد، الذي استقرأ المستقبل، عندما خاطب عبد الناصر في قصيدته الرثائية:
“جمال عهدُك في قلبي وفي شفتيّ وفي عروقي، وفي نبضي يغذّيني
جمال اسمُكَ راياتي التي ارتفعت في لجَّةِ الهَول.. أعطيها وتعطيني