قرارات هامة لمجلس حقوق الإنسان لصالح فلسطين بانتظار التطبيق
المحامي علي أبو هلال| محاضر جامعي في القانون الدولي – فلسطين
اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي التاسع عشر من شهر حزيران الجاري، قرار فلسطين حول المساءلة وضمانها وإحقاق العدالة، الذي تقدّمت به دولة فلسطين، من خلال بعثتها، والدول والمجموعات الشقيقة والصديقة، بعد تصويت 22 دولة لصالح القرار، وامتناع 17، و معارضة 8 دول.
وجاء في قرار مجلس حقوق الإنسان في دورته الثالثة والأربعين، المنعقدة في جنيف بين 15و19 حزيران، أنه يسترشد بمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، وقواعد ومبادئ القانون الدولي ذات الصلة، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وبخاصة اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة 12 آب 1949، التي تنطبق على الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.
عبر المجلس في قراره عن بالغ القلق إزاء التقارير المتعلقة بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، والانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي، ومنها جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية المحتملة، بما في ذلك النتائج التي توصلت إليها لجنة التحقيق الدولية المستقلة وبعثات تقصي الحقائق ومجالس التحقيق التي اجتمعت بدعوة من الأمين العام.
وأعرب المجلس عن استيائه من عدم تعاون إسرائيل، مع جميع بعثات مجلس حقوق الإنسان لتقصي الحقائق ولجان التحقيق المستقلة، ورفضها السماح بدخول الهيئات الدولية لحقوق الإنسان، وعدد من الإجراءات الخاصة التابعة للأمم المتحدة، الساعية إلى التحقيق في الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، ورفضها التعاون مع هذه الهيئات والإجراءات.
ودعا المجلس في قراره جميع الجهات المسؤولة وهيئات الأمم المتحدة، أن تسعى إلى تنفيذ التوصيات الواردة في تقارير لجنة التحقيق الدولية المستقلة، المعنية بالاحتجاجات في الأرض الفلسطينية المحتلة، ولجنة التحقيق المستقلة بشأن نزاع عام 2014 في غزة، والبعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق من أجل التحقيق في آثار بناء المستوطنات الإسرائيلية، على الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب الفلسطيني في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وبعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة، كل حسب ولايته.
ورحب المجلس في قراره بإنهاء المحكمة الجنائية الدولية دراستها الأولية للحالة في فلسطين، في 20 كانون الأول 2019، وتقريرها بأن جميع المعايير القانونية المنصوص عليها في نظام روما الأساسي لبدء التحقيق قد استوفيت، ويشدد على أهمية احترام ولاية المحكمة واستقلال المدعي العام، ويهيب بالأطراف المعنية أن تتعاون تعاوناً تاماً مع أي تحقيق قد يُفتَح.
وطالب المجلس مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، أن تقدم تقريراً عن الكيفية التي يمكن بها لجميع الأطراف الوفاء بالتزاماتها في تنفيذ التوصيات التي استعرضتها المفوضة السامية في عام 2017، بما في ذلك تدابير المساءلة والتدابير القانونية التي يتعين على الدول اتخاذها، لضمان احترام إسرائيل وجميع الأطراف الأخرى ذات الصلة التزاماتها بموجب القانون الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وأن تقدم تقريراً إلى المجلس في دورته السادسة والأربعين، تعقبه جلسة تحاور، وقرر أن يبقي المسألة قيد نظره.
يأتي قرار مجلس حقوق الانسان، في الوقت الذي يتصاعد فيه عدوان حكومة الاحتلال الإسرائيلي، على الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة، وذلك بالتزامن مع خطة الضم التي تستهدف الأرض الفلسطينية المحتلة، بدعم وتشجيع مباشر من الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، في إطار ما يسمى صفة القرن المخالفة للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
لا بد من التأكيد أن قرارات مجلس حقوق الانسان ليس لها طابع الزامي وتنفيذي، ولا ينبغي تحميل المجلس أكثر مما يحتمل، لكن ذلك لا ينفي أهمية الدور المناط به، لدى تقييم عمله، ومن الأهمية بمكان التعريف بنشأة المجلس والدور الذي يقوم به، فقد تأسس مجلس حقوق الانسان في آذار عام 2006 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، يضم المجلس 47 دولة عضوا يتم انتخابها في إطار الجمعية العامة بالأغلبية المطلقة.
يهدف المجلس إلى حماية حقوق الإنسان والتصدي للانتهاكات التي تطالها في مختلف أنحاء العالم، عبر تقديم توصيات بشأنها، ويتولى المجلس من خلال آلياته، مهمة الفحص والرصد وتقديم المشورة والتبليغ عن أوضاع حقوق الإنسان في بلدان أو أراضٍ محددة، وعن ظواهر رئيسية عن انتهاكات تتعرض لها حقوق الإنسان في العالم.
بعد سنة من عقد اجتماعه الأول يوم 18 حزيران 2007، أنشأ المجلس مؤسساته التي يطلق عليها اسم “الإجراءات الخاصة”. ويتولى هذه الولايات شخص يطلق عليه اسم المقرر الخاص، أو الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة أو الخبير المستقل، كما يمكن أن يتولاها فريق يتلقى المعلومات عن تجاوزات أو انتهاكات لحقوق الإنسان. وإثر تلقي هذه المعلومات يتولى المكلفون إرسال نداءات عاجلة أو رسائل ادعاء إلى الحكومات المعنية بهدف التوضيح، كما يمكن للمكلفين القيام بزيارات للبلدان المعنية، للتحقق من وضع حقوق الإنسان بالتنسيق مع حكومات الدول المعنية، يتم إثرها تقديم تقرير يتضمن نتيجة البحث والتوصيات.
ولدى المجلس لجنة استشارية تعمل على توفير الخبرات والدراسات والأبحاث التي يطلبها، تتألف اللجنة من 18 خبيرا مستقلا ترشحهم الحكومات وينتخبهم المجلس، وتجرى الانتخابات عادة في دورة المجلس في =أيلول، حيث يؤدي الأعضاء مهامهم لمدة لثلاثة سنوات ويمكن تجديد انتخابهم لمرة واحدة.
اعتمد المجلس يوم 18 =حزيران عام 2007 إجراءا جديدا للشكاوى لأجل التصدي للانتهاكات الجسيمة اعتمادا على الأدلة الموثوق بها. يحتفظ إجراء الشكاوى بطابعه السري بغية تعزيز التعاون مع الدول المعنية. وتم إنشاء فريقين عاملين مستقلين، أولهما يعنى بالبلاغات وثانيهما يختص بمتابعة الحالات. ويتكلف الفريقان معا بتنبيه المجلس إلى الأنماط الثابتة للانتهاكات الجسيمة. وتستبعد كل الشكاوى التي لا ترفق بأدلة موثوقة، وكذلك البلاغات ذات الطابع السياسي.
صدر عن المجلس خلال السنوات الماضية تقارير وقرارات هامة، تتعلق بإدانة انتهاكات حقوق الانسان التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتدعو للتحقيق بهذه الانتهاكات، وقد عرض ذلك المجلس لانتقادات وهجمات شديدة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في حزيران عام 2018 الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان بسبب ما وصفته بالتحيز المزمن ضد إسرائيل وغياب الإصلاح.
لا شك أن قرار مجلس حقوق الانسان، بشأن “قرار فلسطين حول المساءلة وضمانها وإحقاق العدالة”، يكتسب أهمية كبيرة، كغيره من القرارات التي اتخذها المجلس، بخصوص انتهاكات حكومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما يقتضي متابعة الجهود من أجل تنفيذها وفق الآليات القانونية المعتمدة في هيئات الأمم المتحدة.