شيرين التي توارت برصاصة وروت القضية كما وعدت
أجدور عبد اللطيف – المغرب
في تلك اللحظة التي استقرت الرصاصة في رأسها ثم سمعتها لاحقا ممزوجة بصفير خافت لم يسبق ان ميزت مثله، استعادت شريط حياتها مشوشا ومندفعا كفيلم كوميدي صامت قديم، غير أنه لم يكن بالأبيض والأسود إنما كان بالأحمر الكثيف الفوار..
أيقنت لحظتها أن حياتها بكل تفاصيلها، كانت تصب في نهر صاخب يؤدي إلى هذه اللحظة، كل شيء حدث معها أو لم يحدث كان يأخذها بالضبط إلى هذه الرصاصة، منذ التحاقها بالأونوروا بعد النكبة لإغاثة الجرحى والمنكوبين، عوض الهجرة للأمريكتين كما فعل الكثيرون، حتى مهنة الصحافة اختارتها من أجل هذا اليوم لأننا لا نختار طبعا قدرا نهايته رصاصة معدنية باردة … حتى صانعها قد أنفق حياته كلها من أجل صنع هذه الرصاصة القدر، قدرها.
قبل أن تغفو إغفاءتها الأخيرة ابتسمت للسماء بسخرية من نقاش بتفاهة جواز الترحم عليها من عدمه، كأن دعواتهم السمجة ستعيد هذا السائل الأبيض اللزج لمكانه .. لم تعد تلك اللحظة تعنيها الأديان ولا الأوطان، ولا السياسات ولا الحرب ولا السلم لقد بدأت تنفذ لعالم موسوم ببياض محايد، لا يعترف يتمييزات البشر وتصنيفاتهم الحمقاء.
خفتت إذن لتسطع القضية التي راحت ضحيتها، والمهنة التي قدمتها قربانا من أجل مستقبل بشري قد يومض بالأمل وقد يبيد دون ذلك على الأرجح.
خفتت لننعيها بينما ضمائرنا أحق منها بالرثاء والعزاءات..
وقبل أن تخفت نهائيا ابتسمت بمرارة، وهي تتساءل :
هل هذه إذن هي الحياة؟ أحقا تستحق كل هذا التعب؟