رحلة إلى الجنوب اللبناني قامت بها وفاء كمال (9)
سحمر قاع الدم الأول ( 9 )
لم يتابع ” الغزال ” حديثه حتى خرج ” كرّار ” متثاقلاً وجلس عند باب الكهف كان يبتسم مستفسراً عن نجاح العملية . قال ” الغزال ” العملية ناجحة جداً بإذن الله . فحاول أن تنام وترتاح. فدخل كرَّار للداخل وتمدد من جديد .وماأن انكشفت خطوط الفجر المختلطة بالظلمة حتى سمع الجميع صفيراً أنثوياً . إنها ” زوبا ” كالعادة تبدأ بالهسهسة والصفير قبل نزولها المنحدر. حيث تخشى النزول . قال الأمين : غريب أمر هذه الفتاة تقطع كل تلك المسافة في الظلمة وحيدة ولاتخشى الوحوش ..قال الغزال وهو يمضي لاستقبالها : لقد تعودَتْ منذ الطفولة لقرب منزلهم من النهر . ربطت ” زوبا ” السلة بالحبل وأنزلتها ..تناولها الغزال ، فقالت : يجب أن أعود بسرعة المصل والحلويات تحت الأعشاب . ..
ـ لا ..لا أرجوكِ يجب أن تدخلي أنتِ وتركِّبي لكرَّار المصل. فقد فشلنا جميعاً بتركيبه .
ـ لماذا ؟ ألم تقم مثلي بدورة إسعافات أولية ؟
ـ نعم ولكننا فشلنا… لقد انتفخت يده لكثرة الحقن الخاطئة ؛ فقد حولناه إلى مختبر لتجاربنا الطبية الفاشلة.
صمتت ” زوبا “قليلا ثم قالت: لابد أن تحاولوا مجدداً. فليس من المعقول أن أدخل الكهف في هذا الوقت المتأخر وأجلس بين مجموعة من المقاتلين الشبان . فوالله لو علم أهل الضيعة للاكوني بألسنتهم .
ـ هل أنت مجنونة ؟ لو علم أحد لأصبحنا جميعاً بقبضة الإسرائيليين ..ـ أرجوكِ يا ” زوبا “لاتخذلينا هذه المرة فحياة كرَّار في خطر. وافقت ” زوبا ” على الدخول .فهبطت متعمشقة على الحافتين حتى وصلت الكهف، فأضاء الأمين مصباحه .
حنت ” زوبا ” ظهرها ودخلت مباشرة ، حيَّتْ كرار ، وجهزت المصل وبدأت بتركيبه . .
فقال كرّار منذ بداية الحرب ونحن محرومون من النساء . قال الغزال : (التهي بهمك هلأ وبلا كتر لعي) .. ضحكت ” زوبا ” وقالت : ( كرَّار متل خيي)
قال كرَّار : منذ التحاقي بالمقاومة وأنا لاأرى في وجهي سوى ” الغزال ” وهو يكشف عن ساقه المصابة . ولم أشتَّم سوى رائحة أقدام الشباب هنا . لم تعر ” زوبا كلامه ” أي اهتمام. كان همها الأساسي العثور على الوريد لتركيب المصل. حيث بدا من الصعب فعل ذلك بالاستعانة بضوء المصباح الضعيف .لكنها نجحت أخيراً . فانفرجت أسارير كرَّار . حينها قال الغزال :
ـ هذه المرة الثانية التي تظهر فيها أسنان كرَّار ..المرة الأولى كانت عندما كسر المحقق الإسرائيلي فكَّه ولم يعترف بانتمائه للمقاومة . واليوم هي المرة الثانية .قالت زوبا لكرّار : حاول الحفاظ على وضع الكانونة … ماعليك إلا العافية . اسمحوا لي يجب أن أغادر حالاً. فأنا خائفة جداً هذه المرة .
قال الأمين: مابك يازوبا ؟ ماالأخبار في الضيعة ؟ هل حدث مكروه ما بالأمس ؟
ـ عبسي كرر امامي أكثر من مرة أنه يود مقابلتك وكأنه يعرف أننا نلتقي وننسق معاً .
ـ لابأس أخبري ” جهاد ” لو سنحت لك فرصة .ولاتشغلي بالك بالموضوع . وإياك أن تتصرفي دون أمر من جهاد , ولاتخافي كثيراً من عبسي . فقد استطعنا جره نحونا وكسبه (الدم لايصبح ماءاً ياعزيزتي) .
دخلت ” زوبا ” ورمقت كرّار بنظرة حنونة . وتأكدت من ثبات الكانونة . وهمَّت بالخروج. فسمع الجميع صوت صفرة قصيرة ذات نغمة يعرفها الجميع .
قال الغزال : إنه فوّاز كان فوّاز يخفُّ مسرعاً نحو الكهف . وصل وهو يلهث. خرج الكلام من فمه بصعوبة ..قال : يجب ان تغادروا الكهف حالاً، فقد سمعتُ أن اليهود يفتشون المنازل بحثا عن الأمين .
هيا يازوبا إرحلي في الحال. قال الأمين : ربما في المرات القادمة نكون في المغارة ” ب ” . لكن لاتقلقي سنجد طريقة للتواصل .
ساعد الأ مين زوبا لكي تصعد فوق حافة المنحدر . ثم غادرها مودعاً. بينما حمل الغزال كيس المصل لكرّار قائلاً وهو يبتسم : (فوق موتته عصة القبر عليه ) ورفعه نحو الأعلى .ومشى الجميع متفرقين بهدوء تام, كل منهم يحمل جزءاً من العتاد . أما زوبا التي وصلت المنزل مع خيوط الصباح الأولى , فقد تسللت من خلف سور المنزل ووصلت غرفتها .خلعت ملابسها واندست في السرير قرب ابنة شقيقها الصغيرة هيلين , وقد احست كأنها قضت يوماً بكامله عند النهر. ولم تفلح بدخول النوم بسبب اقتراب جلبة الجنود الإسرائيليين وهدير دباباتهم . .