ملاحظات عاجلة عن أسود دوار المنارة والحداثة
د. إيهاب بسيسو | فلسطين
لست على خلاف مع من يحاولون التركيز على شخص من قام بمحاولة هدم أسود دوار المنارة أمس بأنه معتل نفسياً ومتعاطي مخدرات حسب بيان الشرطة.
بل على العكس أجدني أتعاطف مع ذاته المتعبة المرهقة والتي بدا من الفيديو المصور لعملية الهدم أن هناك من كان يستغل هذا الضعف النفسي ويحاول توجيهه نحو باقي الأسود، ربما من أجل التسلية لا أكثر، وربما من أجل هدف آخر، يصعب معه تحديد النوايا في تلك اللحظة.
ولكنني لا أتفق مع من يحاول تبسيط المسألة باعتبارها لا تخرج عن فعل فردي ناجم عن اعتلال نفسي وبالتالي تجاهلها أو اعتبارها لا تستحق النقاش واعتبار أن هناك العديد من القضايا أكثر أهمية وطنياً وعليه فإن الحديث عن الموضوع يصبح في المقابل تهويلاً وتضخيماً غير مبررين، أو أن سرد بعض الأحداث الشبيهة رغم التأكيد على اختلاف السياقات التاريخية والسياسية يصبح مقارنات في غير محلها.
أولاً: الانحياز لمعاناة الانسان ضد مختلف أشكال معاول الهدم الفكرية والجسدية مسألة غير قابلة للنقاش غير أنه من المهم الانتباه في نفس الوقت إلى أن العديد من الجرائم الكبرى تم تمريرها أمام حالات مختلفة من الرأي العام عالمياً على أن من قام بها أشخاص مختلون عقلياً.
ثانياً: أن يتم انتقاد حدث أو الحديث عن مسألة معينة وتباين الآراء حول الموضوع فهذا مؤشر صحي من وجهة نظري ولا علاقة لجدول الأولويات الوطنية بالمسألة فكل القضايا التي تواجه شعبنا تستحق الاهتمام وتستحق النقاش بدءاً من القدس والأقصى مروراً ببطولات أسودنا الأسرى والحالة اليوم لشعبنا في فلسطين المحتلة والشتات وصولاً إلى أصغر شجيرة زيتون يقوم باقتلاعها مستوطن من أرض فلسطين.
الحديث عن مسألة معينة لا يجب ولا يعني إلغاء الحق في الحديث عن قضايا أخرى في ذات الوقت.
ثالثاً: من المهم الانتباه أنه من حق أي فلسطيني وفلسطينية مناقشة ما يراه مناسباً من قضايا حياتية ووطنية دون التقيد دوماً بتلك الثنائية الحادة (غزة – رام الله أو فتح – حماس).
هذا الانغلاق والذي يبدو مقصوداً سياسياً وغياب الحوار الوطني الثقافي والاجتماعي الجاد دفع إلى المزيد من التشنج والعصبية خلال السنوات الماضية وجعل الأمور في أغلب الحالات لا تخرج عن المناكفات السياسية الحادة حول الجغرافيا والسياسة والوظيفة على حساب فضاءات الحرية التي يتطلع إليها شعبنا على أرض فلسطين.
رابعاً: من المهم دوماً التنبيه لخطورة الانزلاق إلى مربعات أكثر حدة وفوضى في الحياة اليومية، في ذات الوقت التأكيد على رفض الصنمية الفكرية والانغلاق والتقوقع خلف الايديولوجيا السياسية.
خامساً: الحديث عن “الإيمان الحداثي” يأتي منسجماً مع نقاشات الأزهر الشريف حول الحداثة والتراث والعلاقة بين الكثير من الأفعال والتصرفات التي يقوم بها بعض الأفراد أو الجماعات والتي ظهرت منطلقة من تداعيات الحداثة ومنفصلة عن سياقها التاريخي والتراث الإسلامي العريق.
فالحداثة هنا كمفهوم فلسفي أغفلت في إحدى جوانبها الفكرية بشكل أو بآخر دور التراث والمدارس الفكرية وآراء الفقهاء على مدار القرون الماضية وانطلقت من تفاسير معاصرة نحو قطيعة حادة من خلال العنف مع جوهر وروح التراث الإسلامي، لهذا تم الاستناد إلى تجربة الحضارة الإسلامية والمعمارية في الأندلس في المنشور السابق لتوضيح الفرق في معالجات الحداثة المعاصرة لقضايا الفنون والعمارة، حضارة الأندلس أمام المشهد في أفغانستان والعراق وسوريا.
بالمناسبة يمكن أن نرى نماذج عدة لهذه “الحداثة الإيمانية” أو “الإيمان الحداثي” في أكثر من بقعة جغرافية وخلال أكثر من فترة زمنية، كما أنها ليست حكراً على الإسلام وإنما حالة عابرة للأديان والطوائف. (ولكن هذا موضوع طويل يحتاج إلى نقاشات أكثر عمقاً ودراية).
أخيراً: ليس المطلوب إقناع أحد بوجهة نظري، فأنا على دراية بأن لكل شخص دوافعه السياسية والفكرية والثقافية الخاصة للرد أو النقاش.
بالمناسبة أكتب هذه الملاحظات من مدينتي غزة، وليس من مدينة رام الله لأن فلسطين بالنسبة لي فضاء واحد وجغرافيا تتسع لكل المدن الفلسطينية.