الصابون المفقود.. قصة قصيرة جداً
مليكة الحامدي | سوريا
لم يبالِ يوماً بما كنت أحب أو أكره، و كثيراً ما كان يقايض راحته بالنكد ..
هكذا هو رجُلي الريفي.. لا يهدأ حتى يثير أعصاب حَمْلهِ الوديع ليتعب، فيخمد ، فيستسلم.
لم تكن تعنيني رائحة الصابون الذي كان يستحم به مذ تزوجنا وكثيراً ما كان يردد على مسمعي:
هذا الصابون مُصنّع ريفياً.. إنه تراثنا .. رائحة ترابنا و زيتنا و شجرنا..
و كثيراً ما كنت أقول له إن شامبو مدينتي ينعشني أكثر ..
أنا ابنة المدينة يا رجل فهلّا ترأّفت بذائقتي ..
عبثاً أحاول إقناعه بأن الاختلاف بين الزوجين لا يقاس على حلبة المصارعة..
الناس البسطاء في مدينتي يفقهون ذلك، حتى أنك تجد الواحد منهم على قدم واحدة أمام أحد المحال التجارية يوازن ويقارن ويقيس في شتى البضائع ليختار ما يبهج زوجه و يرضيها..
لم تكن هذه مشكلتنا، فقد كنت أبتاع لنفسي أكثر من علبة شامبو حين كنت أزور أهلي في مدينتنا وأقرر أني سأتقبل نقده اللاذع و نصائحه المتكررة..
المشكلة أنه كان يفرغ كل علب الشامبو في حوض الغسيل و يخفيها عن ناظري دون أن يترك لجريمته أي دليل يؤكد لي أنه الفاعل..
كان يوهمني بأن أحدهم يسرقها و يتوجه بها إلى سوق القرية ليتاجر بها..
في كل مرة أجلب بها الشامبو كنت أراقبه وأشك به ثم بشخص معين فقد يكون زوجي على صواب..
لم أمسك أحداً بالجرم المشهود
فقررت أن أحتفظ بعلب الشامبو في غرفتي و آخذ معي علبة واحدة حين أستحم ثم أعيدها إلى مكانها في غرفتي ..
و كنت أقفل باب الغرفة كلما خرجت منها ..
لم تنفع الخطة.. اختفت علب الشامبو مرة أخرى ..
و هكذا استطاع زوجي أن يفرض الصابون المحلي على شعري فأصبح بعد عام مثال الشعر الصحي الجميل ..
أما أنا فقد عشقت صابون خلافاتنا من يوم رحل زوجي عن دنياي.. وصرت أبحث و أسأل وأوصي كل من تعرف مكاناً لذاك الصابون أن تجلب لي ولو قطعة واحدة..
وأدركت مؤخراً أهمية أن ترى عينا الزوجة عناد زوجها كجندي حارس لجمالها.