عروبة بلا عرب.. ألف لماذا ولماذا؟
بقلم: عدنان الصباح
يتساءل المواطن العربي وبحق لماذا هذا الحال من التبعية الدائم للغرب والآخرين من قبل العرب وحكامهم وهل الأمر مقتصر على الحكام أم أن الأمر يتعدى ذلك ليطال الشعوب وهذا السؤال محق جدا فلو أن الأمر كان مقتصرا على الحكام فلماذا تقبل الشعوب بهذا الحال وإذا كان الأمر يتعدى الحكام ليصل إلى شعوبهم فمن أين جاءت هذه الكارثة ولماذا تعيش فينا دون غيرنا من الامم أو بالأحرى لماذا هي صفة صارت متأصلة فينا او انها صفة عامة تطال كل البلدان العربية دون غيرنا من الشعوب والامم حتى بات ولاء العرب للغرب الامبريالي شبه مؤكد وحتى في الايام الغابرة حين كان الاتحاد السوفياتي يقف في مواجهة الامبريالية الامريكية كان اصطفاف العرب حد عداء بعضهم اما مع الاتحاد السوفياتي او مع الولايات المتحدة الامريكية والامر كان على شكل موالاة لا على شكل تحالف كان تبعية لا قناعات ولذا لم يجد الراحل السادات أي صعوبة في القفز من المعسكر الشرقي الى المعسكر الغربي بكل بساطة بعد رحيل جمال عبد الناصر.
الكارثة التي نعيش تتلخص باختصار شديد بان العروبة في الوطن العربي هي بلا عرب وانها تعيش وحدها بعيدة عن وجود امة حقيقية تضرب اعماقها في كل ارض العرب والتدقيق مهم جدا في الامر اذا ما امسكنا بالدول العربية فرادى او جماعات نجد ان العروبة حضرت اليهم عبر الاسلام لكنها لم وانها استوطنت ارضا لم تكن عربية وعربت شعوبا لا تمت للعروبة بصلة على الاطلاق لا من قريب ولا من بعيد وان من يتنازل مرة عن قوميته يسهل عليه فعل ذلك مرارا وتكرارا خصوصا وان العرب وهم يحملون رسالة الاسلام الى بقاع الارض حرصوا على الحفظ على عروبتهم ولم يقدموا انفسهم كأمة جديدة هي الامة الاسلامية والا لكان اسهل على الجميع الانتقال معا الى امة جديدة لا الرضوخ لامة المنتصر أيا كانت رسالته.
المصريين يعتزون بفرعونيتهم حتى اليوم ولا احد يستطيع القول بان مصر لم تكن فرعونية قبل الاسلام وبالتالي فان العروبة الى هناك وافدة وليست اصيلة وبعكس الاسلام الذي جاء الى البشر كل البشر كرسالة من السماء كانت العروبة قومية لامة مختلفة عن قومية المصريين والايمان بالإسلام لا يعني بالضرورة الايمان بالعروبة وما ينطبق على مصر ينطبق على بلاد ما بين النهرين حيث كانت البلاد جزء من الامبراطورية الساسانية وهي الامبراطورية الفارسية الثانية وينسحب ذلك ايضا الى بلدان المغرب العربي او بلدان ما يسمى بشمال افريقيا التي تنتمي شعوبها قبل الاسلام الى القومية الامازيغية وهم لا زالوا حتى اليوم يعيشون في الجزائر والمغرب وليبيا والصحراء الغربية,
وفيما عدا بلاد شبه الجزيرة العربية وبعض الاعتقاد بوجود العرب في بلاد الشام قبل الاسلام فان أيا من الدول العربية الاخرى لا تنتمي في اصولها الى العروبة على الاطلاق بل هي شعوب انتقلت قسرا الى العروبة عبر انتقالها الى الاسلام دينا اعتقادا منها ان هناك تطابق بين العروبة والاسلام ان هروبا من دفع الجزية او رضوخا لإرادة الحاكم الذي كان عربيا فاتحا براي المسلمين ومستعمرا براي اهل البلاد ولذا لم يكن الانتماء الى العروبة ايمانا بها وانما في احسن الاحوال ايمانا بالدين الذي حمله العرب الى اصقاع الدنيا
الامم التي اسلمت ولم تتعرب حتى اليوم هي امم حية ومهابة الجانب كالأمة الإندونيسية والماليزية والايرانية والافغانية والباكستانية وغيرها بينما اتسمت حالة الامم التي فقدت هويتها لأجل العروبة بالتبعية الدائمة للأجنبي والرضوخ له بأشكال واشكال لا زالت متواصلة حتى اليوم وبالتالي فان من لا ينتمي لامة ما يسهل عليه خيانتها لعدم ايمانه الحقيقي بانتمائه اليها او لقناعته الراسخة بانه في الاصل لا ينتمي اليها.
يظهر جيدا غياب الايمان بالعام عند العربي وسيطرة الاعتقاد بأسبقية الخاص على العام من خلال الانشطة الشخصية الفردية والسلك اليومي فالعربي مثلا يهتم بنظافة بيته ولا يعنيه ابدا نظافة شارعه فيجمع نفايات بيته ويلقي بها من الشباك دون ان يعنيه اين ستقع, العربي يتهرب من دفع الضريبة فهو لا زال يعتبرها جزية لأنه لا يشعر بالانتماء للدولة التي تجبيها وكذا الدولة لا يعنيها ابدا دافع ضرائبها بقدر ما تعنيها بنيتها وادواتها وفي المقدمة منها الاجهزة الامنية وتدابير الامن وهي بالتالي تلجأ للأخر البعيد للحصول على دعمه بدل ان تعتمد على شعبها لان اعتمادها على شعبها يعني قبولها بالنزول عند ارادته وهو ما لم يعتده الحاكم الغريب ولو اخذنا مصر كنموذج فان اخر حاكم غريب عنها كانت اسرة محمد على الالبانية الاصل والتي حكمت مصر من 1805 حتى ثورة الضباط الاحرار في تموز 1952.
صحيح ان جيوش العرب باسم الاسلام قد تمكنت من التوسع والسيطرة على عديد جهات الارض ولكنهم لم يتمكنوا ابدا من البقاء على اسلامهم فقط بل نقلوا عروبتهم معهم الى هناك وقد فاجأتهم الفجوة الحضارية والثقافية بين البلدان التي انتقلوا اليها وبين البلد التي اتوا منها وبذا حاولوا ان يصنعوا عروبة بدون عرب فهم فقط مجموعة من الجنود سيطروا على شعوب بكاملها واختلط لديهم احساسهم بالدونية الثقافية والسيطرة العسكرية ولم يتنبهوا ابدا الى خطورة هذا التناقض الذي دفعهم لفرض عروبتهم على غير العرب الذين وجدوا انفسهم مضطرين للرضوخ وقبول ما ليس لهم به خيار والتنازل العلني عن قومياتهم ولغاتهم مما جعل الانتماء للعروبة لديهم علني فقط مع رفض تام لذلك في قناعاتهم ولذا تجد العروبي حتى اليوم يغني للعروبة في العلن ويلعنها في جلساته الخاصة وهي خاصة تنفرد بها شعوب البلدان العربية دون غيرهم من الشعوب.
اذهب لزيارة أي بيت عروبي فستجد ان انظف جهة في البيت هي غرفة الضيوف وانك اذا تجولت في باقي ارجاء البيت ستجد العجب العجاب فقد تعود ان يكذب في العلن ويرتب نفسه كما يريد الاخرين ويعود الى نفسه حين ينزوي خلف بابه المغلق وهو لذلك يجمع زبالة بيته ثم يلقيها من شباك غرفة نومه الى الشارع الذي تعود انه للغرباء ولا ينتمي اليه فما يعنيه يبقيه بينه وبين نفسه وهو ما يفسر هذا التناقض بين الدعوة الصريحة الالزامية للمسلم بالكذب وشيوع الكذب في اوساط العرب اكثر من غيرهم من الامم.
لقد اضطر علي ابن ابي طالب الى نقل الخلافة الى الكوفة لحماية خلافته ولكن الامويين انقلبوا عليه وهو ما جعل الفرس يحقدون على الامويين حتى تمكنوا من خلال ابناء اعمام رسول الله من هزيمة الامويين واقامة خلافة العباسيين نسبة الى أبناء العباس ابن عبد المطلب ابناء اصغر اعمام رسول الله بينما احتفظ الامويين بدولتهم في الاندلس غير العربية في حين اعتمد الجسم الحقيقي للدولة العباسية الوليدة على الفرس وهو اول اسباب انهيار الخلافة العباسية وتفتتها الى دول مختلفة فقد اسس البربر دولتهم في المغرب العربي بينما اسس الفرس دولتهم البويهية واسس الاتراك دولة السلاجقة مما يعني بوضوح ان الخلافة العربية التي جعلت ابناء القوميات الاخرى في مرتبة ادنى منهم معتمدين على علاقتهم برسول الله وعلى ان لغة القران هي لغتهم وعلى ما جاء في القرآن من نص يعطيهم افضلية ما ” وكنتم خير امة اخرجت للناس ” ذلك جعل ابناء القوميات الاخرى جاهزين للانقلاب على خلافة العرب لا خلافة المسلمين.
لقد تحولت الفتوحات الاسلامية الى فتوحات عربية ولم يكتفي الفاتحون باعتناق شعوب البلدان المفتوحة الاسلام بل جعلوهم يتحولون عن قومياتهم الى العروبة ببساطة وهو ما يعني ان المسلمين لم يتمكنوا من رفع راية الاسلام كما ينبغي لها وبنفس الوقت فقدوا جوهر قوميتهم باختلاطهم بقوميات اخرى لا تمت للعروبة بصلة مما افرز ظاهرة فريدة في تاريخ البشرية وهي العروبة بلا عرب.
في التاريخ البشري الكثير من الشواهد على انسلاخ شعب ما او قومية ما عن سلالة اشمل كانسلاخ عديد الشعوب الاوروبية عن الامة الجرمانية وقد تقبل الشعوب والامم قدوم اقليات ضعيفة اليها لتنصهر فيها كما هو الحال في الهجرات التي شملت كل انحاء الارض لكن سيطرة اقلية على اغلبية بالقوة وتحول الاغلبية الى قومية الاقلية المسيطرة يظل ضعيفا وهشا مهما طال الزمن ولعل التجربة الامريكية الاكثر بشاعة في التاريخ فلم يتمكن الانجليز المستعمرين من السيطرة على امريكا الا بإبادة او شبه ابادة الامة الاصلية هناك وبدون ذلك ما كان للإنجليز ان يشكلوا امة جديدة وحديثة جدا كالأمة الامريكية الحالية التي بات التمازج هو الاصل في تكوينها ونسي العالم او تناسى امام جبروت وقوة الولايات المتحدة الامة الامريكية الاصلية ” الهنود الحمر “.
الفتوحات الاسلامية وسيطرة الاسلام العربي على ما بين النهرين ووادي النيل وشمال افريقيا وبلاد الشام وتحول الغالبية العظمى من شعوب وامم هذه البلدان الى الاسلام اولا ومن ثم فرض العروبة كرديف للإسلام جعل الانتماء ضعيفا وقائم على الاجبار وهذا لن يخلق ولن يؤسس امم قوية منتمية ومتماسكة بل شعوب ضعيفة وهشة قابلة للكسر متى ما تعرضت لأي هزة ولعل الشواهد على احداث العالم العربي من توالي الهزائم عليهم وسهولة اقتتالهم واختلافهم وانقسامهم واحيانا بلا سبب حقيقي يؤكد اننا لسنا امام امة لها جذورها في التاريخ وهذا يفسر الاختلاف والتمايز شكلا ولهجة وعادات وتقاليد بين بلاد الشام وما بين الهرين ووادي النيل وشمال افريقيا بما يعني ضياع الانتماء للقومية وعدم قدرة الدين الى التحول كبديل لقومياتهم لإصرار العرب على فرض حضورهم مما خلق فجوة خطيرة في موضوعة القومية بحيث لم يتمكن المسيحي مثلا من الاحساس بقوميته العربية لإصرار المسلمين العرب على عدم التفريق بين العروبة والاسلام فصار لدينا عروبة اسلامية تقصي المسيحي واسلام عربي يقصي القوميات الاخرى علما بانهم هم اصحاب تلك البلاد الاصليين ومن جانب اخر فان ما وجده القادمين العرب الى الامم الجديدة كمصر مثلا من حضارة جعلهم غير قادرين على الاحتفاظ بنقاء عرقهم العربي امام بريق الحضارة التي وجدوها حيثما ذهبوا مقارنة ببلدانهم في الجزيرة العربية حيث لا حضارة تذكر الا حضارة الرعي البدائية والتجارة التي لا تصنع حضارة على الارض ابدا ولا تنتمي للمكان بل للطريق وللمصلحة حيث تكون.
لقد حرصت الدول الاستعمارية بعد الحرب الاستعمارية الاولى الى خلط كل الاوراق في منطقة الشرق الاوسط فقسمتها الى دول جغرافية غير ابهة لا باللغة ولا بالدين ولا بالقومية بل كان لديها كل الحرص على ان لا تقيم دولا مستقرة وقادرة على النمو والاستقرار والتطور فخلقت في كل دولة من هذه الدول ازمة لا يمكن ان تنتهي بمرور الزمن حتى تضمن عدم الانصهار والوحدة القومية لهذه البلدان وبالتالي حرصت على الابقاء على خيوط السيطرة عليهم جميعا والابقاء على تبعيتهم سهلة ومتواصلة بلا انقطاع وفي سبيل ذلك سعت الى زرع كيان غريب ومعادي ومستعدى من الجميع هو الاحتلال الصهيوني بحيث تبقي على المنطقة مشتعلة بلا توقف وهو ما يوفر بالتأكيد للإمبريالية سيطرة متواصلة لها على دول الشرق الاوسط وتبعية مطلقة من هذه الدول لها.
تحتاج الامة العربية اولا الى الصدق مع ذاتها واعادة ترتيب اوراقها عبر ادراك مصادر تنوعها واحترام هذه المصادر وترسيخ القناعة اليوم بان العروبة ليست جريمة وليست تهمة وان ما تمكنت الامة الامريكية ان تفعله بالنار يمكن لامة العرب ان تفعله بالسلم بالتصالح مع ذاتها ومع تاريخها عبر عدم التنكر له واعتباره اساسا داعما للعروبة لا متناقض معها وبدون ذلك سيكون ما نادى به انطون سعادة عن تقسيم العرب الى الامم ومنها الامة السورية هو العنوان الاصدق بديلا للكذب المتوارث عبر الاجيال والذي جعل حكاية الغراب الذي حاول تقليد مشية الحجل فلا هو صار حجلا ولا استطاع ان يعود غرابا بذا سيظل صيدا سهلا لكل من هم اقوى منه ومتماسكين اكثر منه وهو ما يفسر السيطرة المتواصلة للآخرين على العرب وصمت العرب القاتل عن ذلك درجة قبول الحكام بإملاءات الاجنبي حتى لو كانت ضد شعوبهم وقناعة غالبية الحكام بان شرعيتهم تأتي من رضا واشنطن لا عواصم واحياء بيوت الصفيح في بلدانهم وبالتالي فان الامور لن تستقيم لدى شعوب وبلدان العرب الا بالمواطنة والقيم المدنية واشاعة الديمقراطية في كل مناحي حياتهم.