الثقافة والاقتصاد.. اليابان نموذجا
بقلم: خالد طالبي
لم أزر اليابان من قبل، لكن تدهشني الثقافة اليابانية، ويبهرني دور هذه الثقافة في تقدم الشعب، فالمجتمعات تنطلق في تطورها من خلال واقعها الثقافي، لأن الثقافة هي الوعي، ودون وعي تكون المجتمعات راكدة عاجزة عن الإنتاج والتقدم.
فكيف إذن استطاع الشعب الياباني أن يبني نفسه من جديد بعد أن ألقيت عليه قنبلتين نوويتين؟!
إن سر تقدم اليابان يكمن في ثقافتها، يكمن في الثورة الإنسانية والأخلاقية التي صاحبت هذا الشعب، في مجموعة القيم المغروسة في نفوس أبناءه فهو شعب مهذب، دقيق، طيب القلب، خجول، ذكي، نظيف.
ولكن.. كيف كان للثقافة دور في نهضة الشعب، وكيف كان للقيم اليابانية دور كبير في الإسهام بازدهار الاقتصاد وتفوقه عالمياً وكيف كانت صفات كالأمانة والاحترام وتقديس قيمة الوقت ومراعاة حقوق الآخرين وحب العمل والاخلاص فيه صفات واخلاقيات راسخة في مجتمع لا ديني في الوقت الذي تعتبر هذه الصفات قيم أساسية وأصيلة نص عليها ديننا الإسلامي الحنيف.
إن اجتماع العلم مع الاخلاق والعمل ومظلة تكمن في نظام إداري فعال هو العامل الذي أدى باليابان إلي ماهي عليه الآن.
أيضا من العوامل التي أسهمت في تقدمها هو التعاون المشترك بين المنتجين والموردين والموزعين والبنوك، فالتعاون سمة من سمات الشعب الياباني، ومما أسهم في النهوض أيضا هو التأكيد على قيمة العمل وروح الجماعة وعلو مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد أو الجماعة، وهذا المبدأ يتم غرسه في نفوس الأطفال منذ دخولهم المدارس.
فالتعليم في اليابان حازم ويصل إلي درجة الارهاق النفسي، ولكن في المقابل يتخرج الطالب محباً للمعرفة، مؤسساً على العمل واحترام قيمته، وتسمو لديهم قيم الانضباط والولاء والتأكيد الشديد على شرف المهنة إلي الحد الذي يدفع العامل إلى اختيار الموت إن لم يكن قادراً على ممارسة واجبه الأخلاقي تجاة المنشأة التي ينتمي إليها وتجاه المجتمع.
ومن القيم الثقافية أيضا التى يتمتع بها الشعب اليابانى قيمة الوفاق والتماسك الاجتماعي، فالياباني لا يلجأ للنزاع بل يميل إلي التصالح مع الاخرين ومع المجتمع. فاليابان تنشر الفن والرقي في أرجاء العالم من خلال إنشاء دور الأوبرا ونشر الثقافة الراقية في مختلف الفنون ولا تسعي ابدا لنشر الفتن والحروب مثل دول أخرى، فالثقافة تبني الإنسان بصفته منبع الوعي وهي الطاقة الكبرى التي تحرك المجتمع وتبث فيه روح الحماس والتحدي، كما أن العادات والتقاليد والثقافة والقيم هي من الأسباب والعوامل المؤثرة في التنمية والنمو الاقتصادي.. هكذا يقول علماء الاقتصاد
أما السؤال الذي يطرح نفسه فهو: كيف نجعل من الثقافة عاملا من عوامل تطورنا الاقتصادي في الوقت الذي ينصرف فيه الناس هنا عن البيع والشراء، وفي الوقت الذي ننظر لبعض المهن بنظرة دونية.
إذن ماهي علاقة الثقافة بالاقتصاد ؟ إن شعوب بلا ثقافة لا تتقدم اقتصادياً، ولا شك أن لكل شعب ثقافته وله مجموعة القيم التي تشكل وعيه.
يقول الكاتب أمين الساعاتي في مقال له بعنوان «علاقة الثقافة بالاقتصاد»: «مع الأسف نحن أكثر الدول بعدا عن الاهتمام بثقافة العصر بل اتخذنا مواقف عدائية من تراثنا الإسلامي والعربي خاصة والتراث العالمي عامة وحرمناه علينا وعلى أولادنا، ولدينا منشآت ضخمة في كل التخصصات إلا في الثقافة.. فليس لدينا منشآت ليس لدينا مكتبات مركزية عامة في المدن والقرى.. ليس لدينا بيوت وقصور للثقافة».
لذا يجب أن نشهر اعترافنا بالثقافة ودورها ..ولا ينبغي أن نضع معظم الأنشطة الثقافية في مرمى الاستنكار بينما العالم كله يجل الثقافة وينميها وينشرها في ربوع البلاد.
إن المجتمع يجب أن يتوازن وحتى يتوازن فلا بد أن يأخذ بالخطط التنموية الكاملة في كل المجالات، أما أن نهتم بمحاربة الفقر اقتصاديا ولا نتبنى محاربة الفقر ثقافياً فهذا مأخذ نؤاخذ عليه، ولن تكون في بلادنا تنمية متوازنة إلا اذا نفذنا مشاريع التنمية في كل المجالات