تدوير الآلام.. طوق نجاة في بحر الحياة
د. أسماء السيد سامح | مصر
فيه نوع من البشر، لأنه مُهتم جدا، وبيحبّ بكل ذرة في قلبه، وبياخد آلام الآخرين على صدره بلا دعوة من أحد، ومستعد -حقيقي- يبذل دون مقابل لآخر نقطة -لسبب ما- ما بيجذبش غير الأشخاص المتنمرين والمؤذيين ومصاصي الطاقة، وبيتورّط معاهم في علاقات مريضة جدًا ومجحفة ليه على كل المستويات؛ كل ما يزادد في العطاء يزدادوا في القسوة عليه واستغلاله، كل ما يفتح مساحات للتلاقي، يفرّعوا 100 وسيلة للفُرقة.
ومشكلته الأساسية إنه ما بيبقاش مصدّق إن الطرف التاني وِحِش كده فعلا، وبيدمّره بالبطيء، فبيفضل يبص حواليه بحثا عن أي تفسير للي بيحصل، غير إنه يحمّله المسؤولية الكاملة ويقتنع إنه أساء الاختيار زي كل مرة، أو بيتصوّر إنه أقل من الطرف التاني وكونه فاز بيه فدي نعمة تستوجب الشكر وتحمّل أي شيء للحفاظ عليها!
لكن طال الوقت أم قصر هتيجي لحظة يلاقي نفسه -حرفيا- في الطلّ: ادّى اللي اداه، ورصيده حفنة من الوجع، أخلص وتفانى، وآخرته كانت مما يليق بالسفاحين وقتالين القتلى!
والكلاسيكيات بتقول إن القفلة دايما بتيجي من عند المتنمّر، اللي قضى وطره خلاص وشبع استغلال وملّ، وآن الأوان ينقل العطا على ضحية تانية، فبيحط كلمة النهاية بأكبر قدر ممكن من الوحشية والجبروت، كأنّ مش هاين عليه يسيب فيك ذرّة سليمة، أو حاجة حلوة تفتكرها، ومحتاج يتطمّن إن مش هتقوم لك قومة بعده!
ولو الشخص/الضحية -في لحظة تنوير- أدرك قدرته الفطرية على تدوير الآلام، وإعادة إنتاجها على هيئة دوافع للإفلات من المحنة وتذوق الحياة اللي بجد ورسم خريطة طريق على مقاسه، هيقف على رجليه في يوم من الأيام، ويشوف نفسه -على ضوء المحنة- بمنظور جديد يستحقه.
لكن لو ما اتعلّمش الدرس، وفضل يستنسخ التجربة نفسها مع أشخاص آخرين، فهيعيش مستباح للأبد، باب خراب، ممسحة كل من هب ودب يمسح رجليه فيها ويرميها ورا ضهره في النهاية!
أنا عارف طبعًا إن التغيير صعب، والتعافي من إدمان العلاقات مش سهل، والتعود أشد تأثيرا من الحب، بس فعليا كل واحد عنده فرصة للاختيار، وتعديل مساراته، والبدء من جديد في أي نقطة من عمره -أيا كان اللي هيخسره!- وجزء كبير من التعافي في تقبلنا لنفسنا ولأخطائنا وسقطاتنا وضعفنا وحبنا ليها وإيماننا إننا نستحق الأفضل، لكن الاستمرار في تلقى الأذى وتبريره -وأحيانا الاستمتاع بيه لا شعوريا!- مش هيودّيك في أي حتة. وأكيد أكيد أكيد -3 أكيد- فيه مخرج في حتة ما، يمكن لما تركّز تشوفه، لما تبذل بعض الجهد بنية صادقة توصل له، لما تطلب مساعدة من متخصص أو حد تثق فيه ينوّر لك اللي كان غايب عنك.
بس لازم الأول تدرك حجم الخراب الحادث في روحك، حجم الظلم اللي بتظلمه لعمرك، حجم الفرص اللي بتفوّتها على نفسك، وتاخد القرار، وتتعب شوية معلش عشان تنفّذه، لأنك لما تدخل في علاقة سوية ومتكافئة بعد كده، وتشوف النعيم اللي ممكن تعيشه، والفرج والبراح اللي هيتضاف لرصيدك، والمحبة اللي ممكن تقابل بيها العالم، هتزعل من نفسك قوي قوي قوي على اللي عملته فيها زمان، وهتندم إنك ما قّدرتش نفسك حق قدرها من بدري!