الحُبُّ والدِّينَــار
د. محمد سيد الدمشاوي | شاعر مصري
الحُبُّ والدِّينارُ ذَا خَصْمَانِ
يَتَصَارَعَانِ علَى مَدَى الأزْمَانِ
^^^
يَتَقَاتَلان كَأَنَّمَا لِكِلَيهِما
ثَأْرٌ يُحَتِّمُ قَتْلَهُ للثَّانِي
^^^
لا يَمْكُثَانِ مَعاً ، وإِنْ يَتَجَاوَرَا
فَهُمَا عَلَى عَجَلٍ سَيَفْتَرِقَانِ
^^^
خَصْمَانِ دَوْماً، لَيْسَ بَيْنَهُمَا رِضاً
وهُمَا عَلَى صَدٍّ وفِى هِجْرَانِ
^^^
فالمَالُ لا يُبْقِى عَلَى دَرْبِ الهَوَى
والحُبُّ فِـي دُنْيَا الشَّقَاءِ يُعَانِي
^^^
وحَكَى الزَّمَانُ لَنَا قَدِيماً قِصَّةً
فِيهَا لِذِى عَقْلٍ هُدًى وَمَعَانِ
^^^
أَفْضَى بِهَا السِّفْرُ القَدِيمُ لِكَيْ نَرَى
عَجَبَ الحَوَادِثِ عِنْدَ كُلِّ أَوَانِ
^^^
طِفْلَان كَانَا في زَمَانٍ سَالِفٍ
رَمْزاً لِكُلِّ مَحَبَّةٍ وتَفَانِ
^^^
طِفْلٌ كَمَا البَدْرِ المُنِيرِ، وَطِفْلَةٌ
كَالشَّمْسِ فِي إِشْرَاقِهَا الفَتَّانِ
^^^
هُوَ مِنْ عُمومِ النّاسِ وهْيَ حَسِيبَةٌ
ومِن العَجَائِبِ يَلْتَقِي الضِدَّانِ
^^^
شَيءٌ مِن الرَّحْمَنِ أَودَعَ فِيهِمَا
حُبّاً فَرِيداً كَامِلَ الأَرْكَانِ
^^^
حُبّاً قَدِيماً سَرْمَدِيّاً طَاهِراً
مُتَفَرِّداً فِي عَالَمِ الإِنْسَانِ
^^^
فَتَرَاهُمَا وَهُمَا يَسِيرَانِ مَعاً
رُوحاً تَقَاَسمَ أَمْرَهَا جَسَدَانِ
^^^
يَتَحَاوَرَانِ كَأَنَّ مِنْ لُغَتَيْهِمَا
لُغَةَ الطُّيُورِ ونَفْحَةَ الرَّيْحَانِ
^^^
فَإِذَا تَحَدَّثَ كَانَ كُلُّ حَدِيثِهِ
في أُذْنِهَا شَدْواً من الألْحَانِ
^^^
وإِذَا تَحَدَّثَتْ البُنَيَّةُ خِلْتَهُ
ثَمِلًا وفِى وَجْدٍ مِن التِحْنَانِ
^^^
عَذْبٌ حَدِيثُ فَتَاتِهِ وحَدِيثُهُ
نَبْعٌ يَفِيضُ بِعَالَمِ الوُجْدَانِ
^^^
كَانَا حَدِيثَ النَّاسِ فِي أسَمارِهِمْ
ويَقُولُ قَائِلهُمْ: هُمَا مَلَكَانِ!
^^^
وَطَوَى الزَّمَانُ عَلَى الطُّفُولَةِ صَفْحَةً
قَدْ سَطَّرَاهَا أُلْفَةً بِبَيَانِ
^^^
وَأَتَاهُمَا نُورُ الشَّبِيبَةِ سَاطِعاً
كَالشَّمْسِ حِينَ تُطِلُّ بالأَكْوَانِ
^^^
فَكَسَاهُ مِنْ حُلَلِ التَأَدُّبِ حُلَّةً
غُزِلَتْ بِكَفِّ الطُّهْرِ والإِيمَانِ
^^^
وحَبَاهُ عِلْماً رَاسِخاً وفَصَاحَةً
وشَجَاعَةً لَمْ تُعْطَ لِلفُرْسَانِ
^^^
أَمَّا الفَتَاةُ فَقَدْ حَبَاهَا مِنْ يَدٍ
لِلحُسْنِ لَيْسَ لَهَا مَثِيلٌ ثَانِ
^^^
حَسْنَاءُ، أَبْدَعَ خَلْقَهَا رَبُ السَّمَا
فِي كُلِّ شَيءٍ آيَةُ الرَّحْمَنِ
^^^
قَالَتْ لَهُ فِي مَرَّةٍ: مَنْ يَا تُرَى
تَرْضَى لَهَا أَنْ تَسْتَعِيرَ مَكَانِي
^^^
لَوْ أَنَّ أَمْرَ اللهِ قَدَّرَ بُعْدَنَا
أَوْ كَانَ مَا لَا تَرْتَضِيهِ بِشَانِي؟
^^^
أو أنَّنِي مَا كُنْتُ فِي هَذِي الدُّنا
كَيْ أَلْتَقِيكَ وَلَمْ تَكُنْ لِتَرَانِي
^^^
مَنْ يَا تُرَى يَهْوَى فُؤَادُكَ يَا فَتًى
قُلْهَا تُرِيحُ عَوَاطِفِي وجَنَانِي
^^^
بُهِتَ الفَتَى وكَأَنَّ شَيْئاً قَاهِراً
أَخَذَ الكَلَامَ ودُونَمَا اسْتِئْذَانِ
^^^
مُتَعَجِّباً أَنْ تَسْتَبِينَ عَنْ الَّذِى
قَدْ بَاتَ مَعْلُوماً بِلَا بُرْهَانِ
^^^
عَجَزَ الِّلسَانُ عَنْ البَيَانِ فَلَمْ يَزَلْ
يَرْنُو بِعَيْنِ مُتَيَّمٍ حَيْرَانِ
^^^
وَبَكَى ، وَصَارَ الدَّمْعُ بَيْنَ عُيُونِهِ
كَالبَحْرِ حِينَ طَفَا عَلَى الشُّطْآنِ
^^^
ضَحِكَتْ وَقَالَتْ: قَدْ فَهِمْتُ، وَلَيْتَنِي
مَا قَدْ نَطَقْتُ بِخَاطِرِي وَلِسَانِي
^^^
أَدْرِى هَوَاكَ ، وَلَيْسَ إِلا مُزْحَةً
مَا كُنْتُ أَحْسَبُ هَكَذَا تَهْوَانِي
^^^
وَمَضَى الزَّمَانُ وَكَانَ فِي حَدَثَانِهِ
مَا يَصْدَعُ الأَرْوَاحَ بِالأَبْدَانِ
^^^
صَنَعَ الوُشَاةُ صَنِيعَ مَكْرٍ مُحْكَمٍ
يَقْضِي عَلَى هَذَا اللِّقَاءِ الهَانِي
^^^
ذَهَبُوا إِلَى أَهْلِ الفَتَاةِ وَأَخْبَرُوا
كَذِباً وَفُحْشاً صِيغَ مِنْ بُهْتَانِ
^^^
حُجِبَ اللّقَا بَيْنَ الفَتَاةِ وَذَا الفَتَى
وَغَدَا اللّقَا خَطَراً عَظِيمَ الشَّانِ
^^^
وَبَدَا التَّرَبُّصُ بِاللّقَاءِ كَأَنَّهُ
سُورٌ عَظِيمٌ مُحْكَمُ البُنْيَانِ
^^^
جَبَلٌ مِنْ الأَشْوَاكِ يَصْنَعُهُ
الأُلِى حَسَدُوا الفَتَى أَوْ كُلُّ نَذْلِ شَانِ
^^^
فَغَدَا التَرَاسُلُ حِيلَةً مَفْرُوضَةً
وبِهِ تُبَدَّدُ قَسْوَةُ الحِرْمَانِ
^^^^
وغَدَتْ قَصَائِدُهُ التِي تُهْدَى لَهَا
مَاءَ الحَيَاةِ لغُلَّةِ الظَمْآنِ
^^^
تَحْكِى تَبَارِيحَ الهَوَى فِي عَاَلمٍ
خَالٍ مِنْ الإِحْسَاسِ والإِحْسَانِ
^^^
وَتَبُثُّ حُزْناً كَامِناً وَكَأَنَّهُ
حِمَمُ الجَحِيمِ وَثَوْرَةُ البُرْكَانِ
^^^
لَكِنَّ غَوْلَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُ يَكْفِهِ
مَا صَارَ مِنْ صَرْفٍ ومِنْ حَدَثَانِ
^^^
كَبُرَتْ فَتَاةُ الأَمْسِ حَانَ زَوَاجُهَا
وَبَدَا الصِّرَاعُ يَهُبُّ دُونَ عَنَانِ
^^^
يَتَنَافَسُ الخُطَّابُ حَوْلَ خِبَاِئهَا
يَتَضَرَّعُونَ إِلَى الأَبِ الغَفْلَانِ
^^^
هَذَا لَهُ جَاهٌ ، وَهَذَا مُلْكُهُ
قَدْ فَاقَ كُلَّ مَآرِبِ الفِتْيَانِ
^^^
مَلَؤُوا الأَمَاكِنَ كُلّهَا ، فَكَأَنَّهُ
يَوْمُ الحِسَابِ وَسَاحَةُ المِيزَانِ
^^^
نَظَرَ الأَبُ الغَفْلَانُ تَحْتَ بِسَاطِهِ
مُتَهَلِّلاً بِالمَالِ والسُّلْطَانِ
^^^
أَعْمَاهُ جَاهُ المُلْكِ عَنْ فَلَذَاتِهِ
وبَرِيقُ مَالِ القَادِمِ الهَيْمَانِ
^^^
واغْتَرَّ حِينَ رَأَى التَّضَرُّعَ مِنْهُمُ
واحْتَالَ فِي رَفْضٍ، وفِى إِذْعَانِ
^^^
يَعِدُ الصَّبَاحَ فَتًى وَيَرْفُضُهُ ضُحًى
والنَّاسُ بَيْنَ مُكَرَّمٍ ومُهَانِ
^^^
أَمَّا الفَتَى المِسْكِينُ ضَاقَتْ حَالُهُ
وبَدَا يُفكِّرُ فِي الرِّحِيلِ الآنِي
^^^
لَمَّا رَأَى مِنْ حَالِهِ وَضَيَاعِهِ
وتَشَتُّتِ الأَفْكَارِ والأَذْهَانِ
^^^
قَدْ هَدَّهُ هَوْلُ المُصِيبَةِ فَجْأَةً
وَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ الهَذَيَانِ
لا نَوْمَ يَأْتِيهِ فَيَهْدَأُ حَالُهُ
لا خِلَّ يُبْعِدُهُ عَنْ الأَحْزَانِ
^^^
قَلْبٌ لَهُ يَهْوَى وعَقْلٌ رَاجِحٌ
يَأْبَى المَذَلَّةَ .. كَيْفَ يَتَّفِقَانِ ؟!
^^^
جَاءَتْ إِلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ خُفْيَةً
تَشْكُو لَهُ الأَحْوَالَ وَهْىَ تُعَانِى
^^^
قَالَتْ لَهُ: أَنَا لَنْ أَكُونَ لِمِثْلِهِمْ
مَهْمَا تَعَاظَمَ شَأْنُ مَنْ يَهْوَانِي
^^^
أنَا لَنْ أَكُونَ سُلَيْعَةً تُشْرَى لَهُمْ
ويَنَالُهَا مَنْ زَادَ فِي الأَثْمَانِ
^^^
أَنَا يَا أَخِي إِنْسَانَةٌ ، لِي مِثْلُكُمْ
قلْبٌ رَقِيقٌ دَائِمُ الخَفَقَانِ
^^^
فَهَلْ العَوَاطِفُ تُسْتَبَاحُ وتُشْتَرَى
وهل المحبة قلعة ومبان
^^^
الحُبُّ أنْقَى مِنْ قُصُورِ مُلُوكِهِمْ
والْحُبُّ أَبْقَى مِنْ ثَرَاءٍ فَانِ
^^^
قُمْ وَامْسَحِ الْعَيْنَيْنِ مِنْ دَمْعٍ جَرَى
الوَقْتُ وَقْتُ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ
^^^
الوَقْتُ لا تُجْدِى الدُّمُوعُ وَلَا البُكَا
الوَقْتُ وَقْتُ الفَصْلِ والتِّبْيَانِ
^^^
فَاصْنَعْ صَنِيعاً يُنْقِذَ الحُبَّ الَّذِى
أَوْدَى بِهِ هَذَا الصَّنِيعُ الجَانِي
^^^
عَادَتْ إِلَيْهِ الرُّوحُ بَعْدَ غِيَابِهَا
وأطلَّ وَجْهُ البِشْرِ لِلْحَزْنَانِ
^^^
وسَرَى يُحَدِّثُ عَمَّهُ عَنْ حَالِهِ
وَالْحَالُ لا يَحْتَاجُ لِلتِّبْيَانِ
^^^
لَمْ يَلْقَ مِنْهُ سِوَى احْتِقَارٍ لِلْهَوَى
وثَقِيلِ قَوْلٍ جَارِحٍ كَسِنَانِ
^^^
أَجُنِنْتَ يَا وَلَدِى، وَكَيْفَ نَرُومُهُمْ
وهُمُ مِنَ النُّبَلَاءِ والأَعْيَانِ؟!
^^^
عَنْ أَيِّ حُبٍّ أَنْتَ تَحْكِى يَا فَتًى
هَذَا حَدِيثُ الفُحْشِ والمُجَّانِ
^^^
كُنْ عَاقِلاً وَاعْرِفْ مَقَامَكَ والْتَزِمْ
ودَعْ السَّفَاهَةَ لِلسَّفِيهِ العَانِي
^^^
وهُنَاكَ خَلْفَ الْبَابِ زَوْجَةُ عَمِّهِ
كَانَتْ تَشُدُّ الصَّوْتَ لِلآذَانِ
^^^
قَالَتْ لَهُ: كُنْ لِلْمَتَاعِبِ هَاجِرا
دَعْهَا وَسَلِّ القَلْبَ بالسُّلْوَانِ
^^^
دَعْهَا فَلَيْسَ الآنَ مِثْلُكَ قَادِراً
المَالُ والسُّلْطَانُ يَنْتَصِرَانِ
^^^
وابْحَثْ لِنَفْسِكَ عَنْ فَتَاةٍ غَيْرَهَا
فَالكَوْنُ لَمْ يَنْضَبْ مِنْ النِّسْوَانِ
^^^
فَأَحَسَّ بِالأَصْوَاتِ تَمْلَأُ رَأْسَهُ
وَكَأَنَّهَا مَسٌّ مِن الشَّيْطَانِ
^^^
وازْدَادَ خَفْقُ القَلْبِ بَيْنَ ضُلُوعِهِ
فَهَوَى يُعَانِقُ أَسْفَلَ الجُدْرَانِ
^^^
رَجَعَ الفَتَى يَبْكِى لِسَعْىٍ خَائِبٍ
لَمْ يَجْنِ غَيْرَ مَذَلَّةٍ وهَوَانِ
^^^
مَنْ كَانَ يَرْجُو عَوْنَهُمْ غَدَرُوا بِهِ
يَا وَيْحَهُمْ ، كَسَرُوا الجَنَاحَ الثَّانِي
^^^
لَيْسَتْ لَهُ أُمٌّ تَلُمُّ شَتَاتَهُ
وأَبُوهُ مَاتَ وعُمْرُهُ يَوْمَانِ
^^^
فَرْدُ يَتِيمٌ ، بَلْ وَلَيْسَ لَهُ أَخٌ
لِيُعِينَهُ فِي سَاعَةِ الخُذْلانِ
^^^
ضَاقَتْ بِهِ الدُّنْيَا وَبَعْدَ رَحَابَةٍ
وَأَحَاطَ لَيْلُ اليَأْسِ كُلَّ مَكَانِ
^^^
ذَهَبَ الفَتَى فَرْداً وَحِيداً يَبْتَغِي
عِنْدَ اللِّئَامِ مَكَارِمَ العِرْفَانِ
^^^
يَسْرِي بِلَيْلِ اليَأْسِ، يَطْلُبُ غَايَةً
بَيْنَ المُحَالِ تَكُونُ فِي الإِمْكَانِ
^^^
سَأَلُوهُ عَنْ مَالٍ، وَعَنْ حَسَبٍ، وعَنْ
جَاهٍ يَزِينُ الفَرْدَ فِي البُلْدَانِ
^^^
لَمْ يَسْأَلُوا عَنْ عِلْمِهِ أَوْ دِينِهِ
فَالجَهْلُ خِلُّ الشِّرْكِ والكُفْرَانِ
^^^
تَرَكُوهُ يَلْعَقُ مُرَّ حُزْنٍ قَاتِلٍ
ليَعُودَ مَكْسُوراً بلا جُبْرَانِ
^^^
ليَعُودَ كَالطَّيْرِ الجَرِيحِ مُعَلَّقاً
والريحُ تَخْلَعُ هَامَةَ الأَغْصَانِ
^^^
وَيَرَى الشَّمَاتَةَ فِي عُيُونٍ لِلأُلِى
يَتَعَطَّشُونَ لِفُرْقَةِ الأَقْرَانِ
^^^
حَسَدُوهُ أَنْ يَرْضَى الزَّمَانُ لِمِثْلِهِ
بِالْغَادَةِ الحَسْنَاءِ وَالرِّضْوَانِ
^^^
حَسَدُوهُ وَهْوَ الحُزْنُ يفْطُرُ قَلْبَهُ
وَيَمُوتُ مَوْتَ العَاشِقِ الوَلْهَانِ
^^^
تَبْكِى الدُّمُوعُ بِهِ فَتَحْرِقُ جَوْفَهُ
والقَلْبُ ذَابَ لِكَثْرَةِ الأَشْجَانِ
^^^
وَزَوَى الشَّبَابُ وَكَانَ غَضَّاً مُشْرِقاً
وَأَتَى المَشِيبُ لَهُ بِغَيْرِ أَوَانِ
^^^
لَوْ تَنْظُرُونَ إِلَيْهِ مِنْ فَرْطِ الجَوَى
هَرِمٌ يَسِيرُ عَلَى عَصاً حَيْرَانِ
^^^
وَهِىَ الّتِي كَانَ الجَمَالُ قَرينَهَا
وَنَدِيمَهَا كَالوَردِ فِي البُسْتَانِ
^^^
ذَبُلَتْ وَرَاحَ جَمَالُهَا وبَهَاؤُهَا
وكأنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ بُهْتَانِ
^^^
مَرَّ الزَّمَانُ وَحَانَ وَقْتُ زِفَافِهَا
فِي يَوْمِ نَحْسٍ وَاضِحِ العُنْوَانِ
^^^
يَوْمٌ كَأَنَّ صَبَاحَهُ كَمَسَائِهِ
لَيْلٌ طَوِيلٌ قَاتِمُ الأَلْوَانٍ
^^^
حَمَلُوا الفَتَاةَ إِلَى المَصِيرِ يَقُودُهَا
لِلْمَوْتِ كُلُّ الأَهْلِ والجِيرَانِ
^^^
حُمِلَتْ مَسَاءً لِلجَحِيمِ ، وَدَمْعُهَا
بِالخَدِّ يَحْفُرُ قَبْرَهَا وَيُعَانِى
^^^
رَقَصُوا عَلَى قَلْبٍ يُمَزِّقُهُ الهَوَى
وتَشُبُّ فِيهِ كَوَامِنُ النِّيرَانِ
^^^
تَمْشِى وَتَبْكِى نَفْسَها ودُمُوعُهَا
تُبْدِى الَّذِى قَدْ كَانَ فِي الكِتْمَانِ
^^^
تَبْكِى أَباً مُتَغَافِلاً مُتَغَطْرِساً
بَاعَ القُلُوبَ بِأَبْخَثِ الأَثْمَانِ
^^^
سَمِعَ الفَتَى صَوْتَ الطُّبُولِ كَأَنَّهَا
طَبْلُ الحُرُوبِ تَجِيئُ بِالعُدْوَانِ
^^^
وَرَأَى الفَضَاءَ وَقَدْ تَلَاطَمَ بَعْضُهُ
فِي بَعْضِهِ كَالجَيْشِ فِي المَيْدَانِ
^^^
وَرَأَى السُّيُوفَ كَأَنَّهَا قَدْ جُهِّزَتْ
لِلْقَتْلِ والتَنْكِيلِ والطُغْيَانِ
^^^
وَرَأَى ثِيَابَ العُرْسِ حَوْلَ فَتَاتِهِ
وَكَأنَّهَا صُنِعَتْ مِنْ الَأَكْفَانِ
^^^
وَرَأَى الأَمَانِي كُلَّهَا مَذْبُوحَةً
فِي كَفِّ أَهْلِ البُغْضِ والشَّنَآنِ
^^^
فَجَثَا عَلَى الأَعْقَابِ يَنْدُبُ حَظَّهُ
حَتَّى غَشَاهُ المَوْتُ بَعْدَ ثَوَانِ
^^^
مَاتَ الفَتَى المِسْكِينُ، لَمْ يَشْفَعْ لَهُ
طُهْرُ الهَوَى، وَشَهَادَةُ الخِلَّانِ
^^^
مَاتَ الفَتَى كَمَداً، ومَاتَ بِمَوْتِهِ
قَلْبُ الفَتَاةِ بِفِعْلِ قَلْبٍ جَانِ
^^^
حَفَرُوا لَهُ قَبْراً يُوَارِى جِسْمَهُ
وَيَضُمُّ قَلْباً مَاتَ بالنُّكْرَانِ
^^^
قَلْباً قَضَى بِالجَهْلِ فِي أَوْطَانِنَا
حَيْثُ المَظَاهِرُ شِرْعَةُ الأَوْطَانِ
^^^
وَإِذَا بِهِمْ عِنْدَ الرُّجُوعِ يُصِيبُهُمْ
خَبَرُ الفَتَاةِ قَضَتْ مِنْ الأَحْزَانِ
^^^
لِيَكُونَ فِي مَوْتِ الفَتَاةِ مُصِيبَةٌ
لِمَنْ افْتَرَى وتَتِمَّةُ الخُسْرَانِ
^^^
حَفَرُوا لَها قَبْرا يُجَاوِرُ قَبْرَهُ
وَبَكَوا بُكَاءَ الجَائِرِ النَّدْمانِ
^^^
كَتَبُوا عَلَى قَبْريْهِمَا عِظَةً لَنَا
تُلْقَى عَلَى سَمْعِ الوَرَى بِبَيَانِ
^^^
هَذَا جَنَاهُ أَبٌ ونَالَ جَزَاءَهُ
وَكَذَاكَ مَنْ يَجْنِى عَلَى الإِنْسَانِ
^^^
تَباً لَها الأَمْوَالُ أَفْسَدَت الّذِى
قَدْ شَيَّدَاهُ مِنْ الخَيَالِ الفَانِي
^^^
بَنَيَا قُصُوراً مِنْ خَيَالٍ زَائِفٍ
هُدِمَتْ أَمَامَ السَّيْلِ والطَوْفَانِ
^^^
لَمْ يَبْق مِنْهَا غَيْرَ رَسْمٍ دَارِسٍ
طَلَلٍ يُعِيدُ مَرَارَةَ الَأزْمَانِ