إنهم يَعُضون البُردعة 

بقلم : عدنان الصباح 

هذا هو المثل الشعبي العربي الذي يقول الي ما بقدر على الحمار ” يَعُض ” على البردعة ويستخدم لأولئك الذين ينتقمون من الضعيف الذي لا ذنب له فقط لانهم لا يستطيعون الوصول الى القوي او الاقتراب منه وهي حكاية تطال العصابات الكبيرة في العالم وهي عصابة الخمسة الكبار اصحاب حق الفيتو في مجلس الامن والامم المتحدة والذين يجوبون العالم بأسلحتهم قتلا وتدميرا دون ان يقترب أيا منهم من الآخر بشكل مباشر ولعل ما يجري الان على الارض الاوكرانية هو ابشع تلك الصور فأوكرانيا التي كانت تملك اكبر ترسانة نووية في الاتحاد السوفياتي والتي كانت تعتبر ثالث اكبر ترسانة نووية في العالم فقد احتفظت بثلث السلاح النووي السوفياتي وكانت تشمل 175 صاروخا بعيد المدى و1800 راس نووي و44 قاذفة ثقيلة مزودة بأكثر من 1000 صاروخ نووي  وقد جرى نزع سلاح اوكرانيا ومعها بيلاروسيا وكازاخستان النووي بعد ان اتفقت امريكا وبريطانيا وروسيا في مذكرة بودابست عام 1994 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. 

نصت المادة الثانية من مذكرة بودابست على التزام امريكا وروسيا وبريطانيا على ” الامتناع عن التهديد بالقوة او استخدامها ضد وحدة اراضي اوكرانيا او استقلالها السياسي وعدم استخدام أي من اسلحتها ضد اوكرانيا الا بهدف الدفاع عن النفس او أي طريقة اخرى وفقا لميثاق الامم المتحدة ” وقد خرقت روسيا هذه المذكرة في العام 2014 ودعت حينها اوكرانيا لاجتماع في باريس للدول الوقعة على المذكرة الا ان وزير الخارجية الروسي لم يحضر ببساطة. 

سعت اوكرانيا كثيرا للانضمام الى حلف الناتو الا ان كل محاولاتها قوبلت بالرفض من قبل سادة الناتو وفي المقدمة الولايات المتحدة ومع ذلك رفضت الولايات المتحدة الالتزام العلني لروسيا بعدم قبول عضوية اوكرانيا في الناتو وهو ما جعل الباب مفتوحا لاعن روسيا عن مخاوفها من ذلك خصوصا وان اوكرانيا اكثر الدول تأهيلا سريعا لإعادة امتلاك السلاح النووي بسبب تاريخها السابق وهو ما قدم لروسيا ذريعة علنية لاعتبار اوكرانيا بلد مهدد لأمنها القومي ولكون روسيا لم تجد من يردعها او من يلتزم بردعها في 2014 بدعم الانفصاليين الذي تحولوا بيوم واحد الى دولتين اعترفت روسيا باستقلالهما واستخدمتهما اداة للهجوم على اوكرانيا في ظل صمت عملي غربي وامتناع عن عقوبات فاعلة كعقوبة اخراج روسيا من نظام سويفت المالي العالمي او استخدام الحرب الالكترونية الاكثر خطورة وتأثيرا على روسيا. 

قراءة الاحداث وتسلسلها تقدم نتيجة واحدة وهي ان امريكا وحلفائها ارادوا توريط بوتين في وحل اوكرانيا ودفعة لحركة غير محسوبة النتائج ولذا جاء الهجوم الغربي الحاد على بوتين شخصيا قبل روسيا واستخدم اسم بوتين اكثر بكثير من استخدام اسم روسيا وعادت امريكا وحلفائها لأغنيتهم الممجوجة عن الحرية والديمقراطية وراحوا يتباكون على اوكرانيا التي تركوها لقمة سائغة امام روسيا منذ 2014 وتراجعوا عن التزاماتهم الرسمية والعلنية والموثقة بمعاهدات ومذكرات رسمية امام كل العالم. 

ما يجري اليوم في اوكرانيا يذكر كثيرا بحكاية توريط صدام حسين في رمال الكويت حين ابلغت السفيرة الامريكية في العراق الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بان احتلال الكويت امر لا يعنيها في حين تطورت الاحداث كثيرا لتصل بالعراق الى ما وصلت اليه الان من حال للعراق البلد الاقوى والأغنى في منطقة الشرق الاوسط في حين تحول الى بلد بلا حول ولا قوة تسوده الفوضى والفساد بينما تنهب امريكا وحفائها كل ثروات البلد ويأتي الفساد على ما يبقى لكي تصير العراق اليوم من اكثر البلدان دمارا على وجه الارض فهل هذا ما تريده دول القطب الامريكي من روسيا غدا وهل سيكرر الرئيس بوتين اخطاء الرئيس صدام حسين حين وقف العالم باسره في مواجهته ضد احتلال الكويت ووجد نفسه يتعرض لحرب من كل العالم بلا استثناء تحت سعار تحرير الكويت الذي تحول الى تخريب للعراق وسطو على ثرواتها لا اكثر ولا اقل. 

ان امام الرئيس الروسي فرصة ذهبية لتحييد الاعداء الغربيين وفضح الناتو وذلك بالاستجابة الى دعوات اوكرانيا للتفاوض الان وقبل فوات الاوان وبدل احتلال اوكرانيا وتدميرها والسيطرة عليها وتغيير حكومتها كما فعل صدام مع الكويت ولم يعترف العالم بأفعاله وقاتلوه بموجب ميثاق الامم المتحدة فان روسيا اليوم مهددة بسيناريو اخطر بكثير يساوي خطورة موقعها. 

الغالبية العظمى من دول العالم اليوم تقف الى جانب اوكرانيا وتدين ما تقوم به روسيا وقد بدأت امريكا بالسعي لإيجاد اليات لعزل روسيا دوليا وهي بصدد البحث عن اليات وطرق للتخلص من عضوية روسيا الدائمة في مجلس الامن الدولي عبر تقديم مشروع اولي للكونغرس لإقراره وتملك امريكا وحلفائها القدرة الكافية على تعطيل الاقتصاد الروسي والحاق اضرار خطيرة به قد تؤدي الى تقويضه والى جانب الاثار السريعة بعد اعلان الحرب والتي ظهر منها اكبر هبوط للروبل في التاريخ وكذا هبوط وصل الى اكثر من 30% لمؤشر البورصة الروسية. 

امام بوتين خيارين لا ثالث لهما اما مواصلة الحرب وانتظار العقوبات وتدحرجها او الجلوس مع أوكرانيا قبل فوات الاوان وتفهم احتياجاتها للسلام والاستفادة من سخطها على الموقف الغربي المتفرج عليها والاكتفاء بالبكاء وتسهيل ترحيل النازحين وتقديم المساعدات الانسانية وتحييد امريكا وحلفائهما وتوجيه لكمة لهم فهو اليوم سيجد الى جانبه عديد الحلفاء وفي المقدمة منها الصين وايران والدول الحليفة كسوريا لكن امعانه بإدارة الظهر لكل العالم سيقلل من الحلفاء الى ادنى مستوى ان لم يكون الى درجة الصفر بما في ذلك كوريا الشمالية وبدل الامعان بعض البردعة الاوكرانية فان الحمار الامريكي ومن معه اولى بالركلات ومن لا يستفيد من التاريخ غبي بامتياز. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى