ظاهرة الإلحاد في رواية ” سوبرمان عربي ” للروائية جمانة حداد.. دراسة نفسية    

أ.د. مصطفى لطيف عارف | ناقد وقاص عراقي

الإلحاد بمعناه الواسع هو عدم الاعتقاد أو الإيمان بوجود الآلهة, وبالمعنى الضيق، يعد الإلحاد على وجه التحديد موقف أنه لا توجد آلهة, عمومًا يشير مصطلح الإلحاد إلى غياب الاعتقاد بأن الآلهة موجودة, ويتناقض هذا الفكر مع فكرة الإيمان بالله أو الإلوهية، إذ أنّ مصطلح الإلوهية يعني الاعتقاد بأنه يوجد على الأقل إله واحد.تبلور مصطلح الإلحاد عقب انتشار الفكر الحر والشكوكيّة العلميّة وتنامي نشاط التيارات الفكرية في نقد الأديان, اذ مال الملحدون الأوائل إلى تعريف أنفسهم باستخدام كلمة “ملحد” في القرن الثامن عشر في عصر التنوير, وشهدت الثورة الفرنسية أول حركة سياسية كبرى في التاريخ للدفاع عن سيادة العقل البشري فضلًا عن تيار من الإلحاد لم يسبق له مثيل,تتراوح الحجج الإلحادية بين الحجج الفلسفية إلى الاجتماعية والتاريخية, اذ أن المبررات لعدم الإيمان بوجود إله تشمل الحجج وأن هناك نقصًا في الأدلة التجريبية.,وعلى الرغم من أن بعض الملحدين تبّنى فلسفات علمانية (مثل الإنسانية والتشكك)،  إلّا أنه ليس هناك أيديولوجية واحدة أو مجموعة من السلوكيات التي يلتزم بها الملحدون جميعً, كما لا توجد مدرسة فلسفية واحدة تجمع الملحدين، فمنهم من ينطوي تحت لواء المدرسة المادية أو الطبيعية والكثير يميلون باتجاه العلم والتشكيك خصوصًا فيما يتصل بعالم ما وراء الطبيعة, يرى بعض الملحدين بأنه ليس هناك عناد بين الإلحاد ودين البوذية لأن البوذيين أو بعضهم يعتنقون البوذية ولكنهم لا يعتقدون بوجود إله, كما يرى كثير من الملحدين أن الإلحاد نظرة أكثر صحة من الإلوهية، وبالتالي فإنّ عبء الإثبات لا يقع على عاتق الملحد لدحض وجود الله بل على المؤمن بالله تقديم مبررات للإيمان به بحسب قولهم. [1]بدءا نشير إلى أن الإلحاد ظاهرة تتداخل فيها عوامل دينية،سياسية،سيكولوجية،اجتماعية،اقتصادية، وحضارية,وان أسباب الإلحاد واللادينية في الماضي تختلف عنها بعد سقوط الأنظمة الدكتاتورية,والاستبدادية في تونس وليبيا ومصر،وفي زمن حكم أحزاب الإسلام السياسي في العراق,ففي السابق كان في غالبه ناجما عن حالات فردية أو جماعات فكرية مثال ذلك أبو العلاء المعري وابن الرواندي وجماعة إخوان الصفا المعتزلة الذين قالوا في الدين والقرآن ما لا يجرؤ احد على قوله اليوم,ولا تعنينا هنا فلسفة الإلحاد ,وتاريخ تنامي نشاط التيارات الفكرية في نقد الأديان وظهرت ظاهرة الإلحاد بسبب ردة فعل ضد التطرف ,والجمود الديني،ونفور من الدين ناجم عن تشدد اجتماعي ,وظهور أشياخ الغلو الذين بغضوا الدين إلى الناس وبسبب التناقضات الفكرية ,والثقافية التي تروج لها أنظمة الحكم العربية, سوء تصرف الحكّام العرب نحو المواطن وعبثهم بمقدرات حياته, النفور من الدين بحجة أنه جعل البشر يقتل بعضهم بعضا,تساؤلات من قبيل لو كان الدين الإسلامي هو الحق فلماذا نحن في ذيل الأمم؟ ولماذا نحن الأكثر تخلفا؟وجود مذاهب متعددة في الدين الإسلامي تجعل الشاب يحتار ويتساءل ويتشكك,من الأسباب  الاغتراب وعدم الشعور بوجود معنى للحياة والعزلة الاجتماعية التي  يعاني منها الشباب في المجتمعات العربية عزا آخرون أسباب الإلحاد في العراق إلى فراغ فكري وانحراف سلوكي في مجتمع يعج بالمتناقضات الغرض منه إبراز الشخصية غير المتوازنة، وخطاب ديني بائس يتناقض مع الثورة التكنولوجية والعلم  والحضارة فسرها آخرون بأنها ليست ألحادا بقدر ما هي رفضا لأداء الفرائض الدينية من قبل شباب اليوم جاء كرد فعل لممارسات رجال الدين المنغمسين في ملذات السلطة  ومغرياتها  اختلف المستجيبون في تحديد ما إذا كان الإلحاد ظاهرة ايجابية أو سلبية من حيث بعده السياسي اتفق آخرون مع الرأي القائل بأن الدين في المجتمعات الغربية لا يدرس في المدارس، وأن الإنسان له الحق في امتلاك حريته في القران أية صريحة في سورة الكهف تقول (من شاء منكم فليؤمن ومن شاء فليكفر)اضطهاد المرأة باسم الإسلام دفع بالكثير من الفتيات العربيات إلى ترك الدين,الاتجاه نحو الإلحاد بوصفه موضة فكرية ووسيلة للفت أنظار الآخرين,زيادة البطالة بين الشباب مع أن بلدانهم غنية الآلف الخريجين العاطلين عن العمل ,في العراق مع انه يقع على بحر من النفط اعتماد الخطاب الديني عقلية أسطورية تتضمن قصصا غير ثابتة ومعجزات تتناقض مع القوانين العلمية تضع الشاب بين خيارين إما أن يعيش حالة تناقض بين خيال وواقع،أو أن لا يصدق  بمرويات القرآن والسنة الاغتراب وعدم الشعور بوجود معنى للحياة والعزلة الاجتماعية التي يعاني منها ,الشباب في المجتمعات العربية. مرتضى إشاعة الدعوة إلى الإلحاد واللادينية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ولاسيما  [2] في المجتمعات العربية التي انتشرت فيها ظاهرة الإلحاد حينما تبدأ الروائية جمانة حداد روايتها ( سوبرمان عربي) بالتساؤل الغريب بقولها لماذا أنا ملحدة ؟ وتجيب بنفسها عن السؤال المطروح بقولها : أنا ملحدة هذا ليس شعارا من الشعارات التي تتبدل مع الوقت , تبعا للظروف والأحوال هذا ليس ادعاء أتبناه لأكون لى موضة العصر الذي قد يبدو بعضه ملحدا , وبعضه الآخر مغرقا في التدين الظلامي الأعمى , أنا ملحدة بناء على موقف عقلي بحت في ما مضى , عندما كنت طفلة , كنت اشعر باني مؤمنة بان الله الذي تنشات على حبه في بيئتي العائلية هو جوهر أساسي في كياني بان الحياة الشخصية والعائلية والاجتماعية والثقافية والروحية بل الحياة في الكون مطلقا , لا يمكن أن تكون إلا به [3], ميز الفلاسفة مثل أنطوني فلو ومايكل مارتن مقارنة بين نوعين من الإلحاد، وهما الإلحاد الإيجابي (القوي أو الصلب) والإلحاد السلبي (الضعيف اللين). يؤكد الإلحاد الإيجابي صراحةً على عدم وجود إله, بينما يشمل الإلحاد السلبي كل الأشكال الأخرى من اللاتأليه. طبقًا لهذا التصنيف، أي شخص غير مؤله إما ملحد إيجابي أو ملحد سلبي. لم تنشأ مصطلحات قوي وضعيف إلا قريبًا، بينما ترجع أصول مصطلحات الإلحاد الإيجابي والسلبي إلى عهد قديم، واستُخدمت (بطرائق مغايرة) في المصنفات الفلسفية وفي التبريرات الكاثوليكية عن المسيحية, يُعتبر اللاأدريين بناءً على هذا التصنيف ملحدين سلبيين, ونحن نعتقد بان جمانة حداد من النوع الثاني للإلحاد السلبي فنراها تقول : مع الوقت لم اعد اشعر هذا الشعور , لم اعد اشعر بان هذا الجوهر يملا كياني أنا لم اعد أنا التي ولدت في تلك البيئة المؤمنة لماذا؟ الآني أريد أن اخرج على طفولتي وطقوسي وتقاليدي وبيئتي وأهلي وعائلتي؟ أم لأني تأثرت بجوهر مناقض يملي علي موقفا مضادا لما تنشات عليه ؟ هذه الصفحات ليست بحثا عن الله, أنها بكل بساطة بحث عني عن أغواري عن السفر الداخلي الذي اسافره في أعماقي حيث احفر عميقا عميقا لاكتنه نفسي, فلا أجد ذلك الله الذي كان أساس حياتي في ما مضى [4] من خلال دراستنا النفسية للروائية جمانة حداد, وروايتها (سوبرمان عربي) نجدها تتحدث عن أعماقها النفسية مما انعكست سلبا على شخصيتها الدينية وإيمانها المطلق بالله العظيم, أصبحت لديها ردة فعل كبيرة تجاه رجال الدين , والكنيسة والمجتمع الإسلامي وهي تقدم الأدلة العلمية الدامغة ,وتمتلك الجرأة في الطرح وبأسلوب أدبي متميز مما يدل على سعة ثقافتها  واطلاعها  , وخصوصا في الموضوعات الجنسية الحساسة بالنسبة للمجتمع العربي فهي تمارس النقد اللاذع وهي تتحدث بشكل فاضح فنراها تقول: كان جارنا استعرائيا, يحب الكشف عن عورته أمام الآخرين كان متقدما في السن , متغضن الوجه ومثيرا للاشمئزاز وكان كلما صادفني على السلم عائدة من المدرسة فتح رداءه  في وجهي كان يلبس رداء دائما لسبب لم اعرفه قط ويريني قضيبه المتجعد اذكر انه كان يردد على مسامعي قبل أن أدبر هاربة لأختفي داخل بيتنا هيا المسيه تعرفين انك تريدين ذلك [5].

أذن فهي ردة فعل نفسية صدمت بها الروائية جمانة حداد من خلال المقدس/ المدنس  الكنيسة / الخطيئة, والمجتمع ألذكوري المتسلط على المرأة المضطهدة ,والدكتاتورية الدموية التي حكمت الدول العربية , وانفصام شخصيات المجتمع وهي تبرر إلحادها بقولها لست ملحدة لأنني ماركسية, ولا أنا ملحدة لأنني عدمية , أو من أتباع الشيطان , أو اشتهي إثارة الانتباه أو ارغب في زيادة عدد أعدائي لدي من الانتباه ومن الأعداء ما يكفيني وأكثر أنا ملحدة بكل بساطة لان عقلي وكرامتي كانسان / إنسانة يحولان دون إيماني, وأؤمن من حقي أن اعبر عن ذلك.

المراجع: 

[1] ينظر الموسوعة الحرة.

[2] ينظر تنامي ظاهرة الإلحاد في العالم العربي: دراسة علمية: أ.د. قاسم حسين صالح, شبكة العلوم النفسية العربية .

[3] رواية سوبرمان عربي : جمانة حداد :12 .

[4] سوبرمان عربي : 12 .

[5] م.ن : 110 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى