لماذا لا يتم تشريك الشباب التونسي في الحياة السياسية؟!

محمد المحسن | تونس

دماء غزيرة أريقت من أجساد شبابية غضّة في سبيل أن تتحرّر تونس من عقال الاستبداد الذي اكتوت بلهيبه عبر عقدين ونيف من الزمن الجائر..
ومن هنا، لا أحد في وسعه أن يزايد على مهر الحرية الذي دفعت البراعم الشبابية أرواحها ثمناً له،ولا أحد كذلك يستطيع الجزم بأنّ ما تحقّق في تونس من إنجاز تاريخي عظيم تمثّل في سقوط نظام مستبدّ جائر،إنما هو من أنجزه..لا أحد إطلاقاً.. فكلنا تابعنا المشاهد الجنائزية التي كانت تنقلها الفضائيات في خضمّ المدّ الثوري الذي أطاح برأس النظام مضرّجاً بالعار،ومنح الشعب التونسي تذكرة العبور إلى ربيع الحرية.. تلك المشاهد الجنائزية كان ينضح من شقوقها نسيم الشباب.. شباب وضع حداً لهزائمنا المتعاقبة.. قطع مع كل أشكال الغبن والاستبداد، خلخل حسابات المنطق، جسّد هزّة عنيفة مخلخلة للوعي المخَدّر والمستَلب، وصنع بالتالي، بدمائه الطاهرة، إشراقات ثورية، قدر الطغاة فيها هو الهزيمة والاندحار..
ولكن..
لا أحد يتحدّث، اليوم،في تونس عن الانقسام الحقيقي الحادّ بين الشباب الذي أطلق الثورة باسم الحرية وخاضها بصدور عارية،ولم ينل بركاتها وآمالها رغم كل الوعود والأمنيات، وبين الثورجيين الجدد،الذين أفرزتهم الأقدار أثناء المد الثوري الخلاّق الذي شهدته تونس خلال الإشراقات الأولى للثورة..واستفادوا مجانياً من خيراتها..
أقول..مرّت عشر سنوات ونيف على ثورةٍ حملت معها حلم الانعتاق من واقع القهر والبؤس في تونس، إذ صاغ الشعب،بدماء شيوخه وشبابه، صفحة جديدة من تاريخ تونس الحديث.
ولئن كان النفس الرافض مبهرا في تجلياته الثورية، فإنّ الشغل الشاغل اليوم، هو عن سؤال أي مستقبل ينتظر الثورة، وأي دور للشباب التونسي مستقبلاً سيما ونحن لدولة القانون والمؤسسات..؟
لقد استطاعت تونس تحقيق خارطة الطريق التي راهنت عليها القصبة 2، والتي كان الشباب الحاضر الأبرز فيها، فتمّ إنشاء دستور حظي بإجماع نواب المجلس الوطني التأسيسي زمنئذ، وتمّ إنشاء قانون للعدالة الانتقالية ومؤسسات دستورية لحماية مكتسبات الثورة. ومن ثم كان مسار البناء رهين اختيارات المجتمع، بصوته الانتخابي وعمله المدني وإبداعه الثقافي والفني،كما إنتاجه العلمي والمعرفي..
ولكن،
ما يبعث على القلق،هي النسبة المتدنية لمشاركة الشباب في الاقتراع. وهو ما يرسّخ المخاوف من استمرار الفجوة بين النخب السياسية من جهة، والشباب من جهة ثانية، على الرغم من أن الشباب هم الذين فجّروا الحدث الثوري،لكن خيبة الأمل التي أصيبوا بها بعد ذلك شكّكتهم في أهمية الديمقراطية وجدواها..
وهنا أضيف،كان الشباب التونسي طليعياً في خطوات ملحمة الدم منذ اليوم الأول للحراك الثوري في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، وصولاً إلى يوم فرار الرئيس الراحل في 14 جانفي/يناير 2011. لكنّه صار الضحية الأولى، بامتياز، لعملية الاستيلاء الممنهج على مفاصل الدولة.
وعندما أقول الشباب،إنما أعني بالقول كل قطاعاته، ممن يناضلون من داخل جامعاتهم ومدارسهم الثانوية،وأولئك الذين استطاعوا بإرادة شبابية فذّة إشعال الأحياء الشعبية والأرياف وهجاً ثورياً، لكنّهم تعرّضوا لحملة تحييد واختزال لدورهم في الحراك الميداني، وجرت محاولات عديدة لاستعمالهم أداة تنفيذية في الجسم الحزبي والخصومات الإعلامية..
في هذا السياق بالتحديد،أكّد البنك الدولي، في السنوات القليلة الماضية، أنّ الشباب التونسي يعانى من ارتفاع معدل البطالة والإحباط، مشيرا إلى أن لديهم حضورا محدودا في عالم السياسة، وما زالوا يواجهون حالة من التجاهل وعدم التشاور المنظّم معهم بشأن القضايا الرئيسية التي تمسهم مباشرة في البلاد.
وأضاف البنك في تقرير جديد صادر بالتعاون مع مركز مرسيليا للاندماج المتوسطى، بحسب وكالة الأناضول، أنّ المواطنة الفعالة والمشاركة المدنية الواسعة بين الشباب التونسي، أمر ضروري لإستمرار الزخم الإيجابي للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، وتحقيق الاستقرار السياسي.

ما أريد أن أقول؟
أردت القول أننا اليوم،ونحن على أبواب مرحلة هامة من مراحل بناء ديمقراطيتنا واستدامتها، يتضح أن الطلاب والشباب المعطّل عن العمل والشباب العامل يأخذ على نفسه مسؤولية ومهامّ متفقة مع رهانات المرحلة، ويعود إلى الساحة الوطنية بنفس جديد،وإرادة في التنظيم والفعل لا يستهان بها،كما أنّه أمام سؤال تشبيك العلاقات والروابط فيما بينه وطنياً، ومع التنظيمات والنقابات الشبابية العالمية..
إنّ الحصن القوي والواقعي لتونس ما بعد الثورة، هو جيل يحمل قيم الحرية والعدالة والكرامة،ويعمل لها وفيها،من خلال مجتمعه وعبر مؤسسات دولته..
وما على النخب السياسية إلا استيعاب الإقبال الشبابي على العمل النقابي والمدني، ومن ثم إشراكه في الحياة السياسية،خدمة للمشروع الديمقراطي والاجتماعي الذي تناضل من أجله التنظيمات الشبابية في تونس ما بعد الثورة..

على سبيل الخاتمة:
إن مرحلة الشباب هي أخصب مراحل العمر، وهي مرحلة العطاء وهم الثروة الثمينة التي لا تعوض، وهم تاج وعز الأوطان بصلاحهم تنهض البلدان، والشباب في أي مجتمع من المجتمعات عنصر حيوي في جميع ميادين العمل الإنساني والاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي، وهم المحرك الرئيس الفعال لأي إصلاح أو تغيير في المجتمعات ودوماً يشكلون الرقم الأصعب في أي ثورة إصلاحية، وأداة فعالة مهمة من أدوات التطور الحضاري للمجتمع،وهم همزة الوصل بين الماضي والمستقبل وهم الحاضر الذي يصنع المستقبل.
وأرجو..أن تستسَاغ رسالتي جيدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى