سهيل خوري.. حامل لواء الموسيقى الفلسطينية وأحد روادها اللامعين
محمد زحايكة | القدس – فلسطين
من أيام جامعة بيرزيت وزمن الصعود والصاحب يلمح سهيل خوري بطلعته البهية وابتسامته الهادئة ترتسم على محياه البشوش وهو يتجول في أروقة الجامعة أو يداعب آلاته وأوتاره الموسيقية في بعض الفعاليات والحفلات التي تقام على هامش التعبئة الجماهيرية والشعبية بملامحها وقسماتها الوطنية وما يرافقها من عنفوان واعتزاز وطني وقومي يشمخ في العلالي.
وكان الصاحب يعتقد في تلك الأيام أن الموسيقى بالنسبة لسهيل خوري مجرد هواية والسلام، ولكنه فوجئ بالنفس والصبر الطويل الذي يتحلى به هذا المبدع المتميز حتى راكم الإنجاز وراء الإنجاز ليطل علينا بمؤسسة علمية موسيقية ذات طابع اكاديمي متميز ومعهد وطني للموسيقى – ادوارد سعيد في قلب القدس، يشار له بالبنان ويثبت للقاصي والداني انه من الرواد في هذا المجال الإبداعي حيث نقل الموسيقى نقلة نوعية لتصبح حالة تنتشر في اوساط مختلف شرائح المجتمع وتمتد على مساحة فلسطين .
ورغم إدراكه لأهمية التوعية حول أهمية وضرورة تطوير ونشر الموسيقى والأغنية الفلسطينية إلا أن خوري كان مقلا في إطلالاته الاعلامية ربما تاركا هذا الأمر لآخرين من المؤسسة إلا أن الصاحب كان يلاحقه أحيانا ويتابعه حتى يفوز ويحظى منه بلقاء صحفي كما حصل بضع مرات من خلال صالون القدس الثقافي، لنستمع منه إلى حديث ممتع جدا يبرز قدرته وتمكنه من رصد وتحليل مشوق للمشهد الموسيقي العربي والأجنبي مما يجعل السامع أو المشاهد يتجاوب ويتماهى ويتناغم بل يجعله يأخذ ويعطي ويتشارك معه في انسجام ومتعة نفيسة ونادرة .
ومن خلال سرده وحديثه الشيق يدرك المستمعين أو المشاهدين كما حدث خلال فيلم تسجيلي أو وثائقي حول الانتفاضة الأولى ودور الأغنية والنشيد الوطني في رفع المعنويات والتحريض والاندماج في روح الانتفاضة من خلال كلمات الاغاني وموسيقاها الحماسية غالبا في إلهاب مشاعر الجماهير ولعبة القط والفأر مع المحتل للتواري عن الأنظار تحاشيا لمداهماته واعتقالاته المتكررة لمنع بث هذه الأغاني والموسيقى الثورية الحالمة بالحرية من خلال المقاومة الشعبية العارمة وهو ما تجسد على الأرض في الانتفاضة المجيدة .
ويمكن الإفصاح، أن سهيل خوري وكوكبة من الموسيقيين والفرق الموسيقية مثل صابرين والفنون الشعبية التراثية وفنانين كثر من ابرزهم مصطفى الكرد وجميل السايح وغديان القيمري وبسام بشارة وآخرين إضافة إلى الجيل الجديد من الفنانين والفنانات محمد عساف ويعقوب شاهين وعمار حسن وريم بنا وريم تلحمي وسناء موسى ودلال ابو آمنة وآخرين وأخريات والأسماء الأخيرة ربما هي نتاج مباشر أو غير مباشر للقفزة أو الهبة أو النقلة النوعية التي أحدثها سهيل خوري في عالم الموسيقى، كل هؤلاء وغيرهم شكلوا الحالة الموسيقية والمشهد الموسيقى الفلسطيني الحديث بسماته وملامحه الخاصة ولونه المميز في الموسيقى والأغنية في منطقة الشرق الأوسط رغم حالة الحصار التي يعاني منها جراء السياسات الاحتلالية التي تضع العراقيل أمام اية محاولة للنهوض بالهوية الفلسطينية المستقلة والجمعية .
وكل منصف للمشهد الموسيقي والغنائي في فلسطين لا يمكنه تجاهل تجربة سهيل خوري التي توجت بمعهد الموسيقى العالي هذا الصرح الأكاديمي الفني الذي يضاهي أعرق المعاهد الموسيقية سواء في الوطن العربي أو العالم والذي يخرج باستمرار قوافل من الموسيقيين والمبدعين في الفنون الجميلة.
لا يستطيع الصاحب الإضاءة أكثر على هذه التجربة الرائدة العميقة التي محورها المايسترو سهيل خوري لأنها تجربة واسعة ومتشعبة بحاجة إلى باحث وغواص ماهر يغوص في أعماق بحرها اللجوج المتلاطم الأمواج ليخرج اللالئ من اعماقها السحيقة وينثرها على الملأ حتى تكتحل بها عيون عشاق الفن والموسيقى والغناء والفن الملتزم الجميل .
سهيل خوري علامة فارقة ورمز من رموز الموسيقى الواعدة في فلسطين، نذر نفسه وجهده وأعصابه من أجل بناء مراكز الموسيقى في معظم التجمعات الفلسطينية الكبيرة حيث راح يكرز في ربوع فلسطين ناشرا موسيقاه وموسيقى شعبه الحي العربي الفلسطيني بكل مهارة وإتقان ونبوغ وتفوق، فالفن هو الجمال الساحر الذي يقود إلى تهذيب النفس وإحداث حالة سلام داخلي نفسي ومعنوي وتكريس إحساس مرهف بتذوق جمال هذا الكون البديع الخلاق.
تعالوا جميعا، نعرب عن أسمى أيات الشكر والعرفان لهذه الطاقة الموسيقية التي يبثها سهيل خوري في ثنايا المجتمع المتعطش للحرية والسلام، من أجل حياة حرة كريمة وذات معاني سامية رفيعة.