أنا يدُه.. وهو عينى!!

صبري الموجي| رئيس التحرير التنفيذي لجريدة عالم الثقافة

  لمّا استعمل النبىُ صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبيّة على جمع صدقات بنى سليم، جاءه الرجل بما جمع، وقال هذا لكم وهذا أُهدى إلى، فاحمر وجه النبى وقال : أفلا جلس فى بيت أبيه وأمه حتى تأتيَه هديتُه إن كان صادقا.

هذه الواقعة ترفض استغلال النفوذ أيا كانت صورتُه، وتوضح كيف تصدى لها النبى رافضا إياها مُعنفا فاعلها لكيلا يعود.

 ورغم رفض الشرع لهذا الداء القاتل المسمى( استغلال النفوذ)، إلا أنه صار سمة  كثير من العاملين بالقطاع الإدارى فى الدولة، فما من مصلحة إلا وتحتاجُ إلى تفتيح مُخ صاحبها حتى تنقضى، وما من ورقة ينقصُها توقيعُ مسئول أو ختمُ نسر، إلا وفُتح من أجلها ( دُرج أو جيبُ الموظف المختص، ليضع فيه طالبُ الخدمة ما فيه النصيب).

إن أزمتنا الحقيقية أزمةُ أخلاق، وعدم رضا بما قسم الله من رزق، فكثيرا ما لهث العاملون بالقطاع الإدارى للدولة وراء الوظيفة (الميرى)؛ طمعا فى الاستقرار، وما إن أتت، وضمن الموظفُ راتبه الشهرى، حتى احتكرها واستصغر العائد منها، باحثا لنفسه عن مصدر آخر للدخل، حتى وإن كان غير مشروع، كالرشوة أو الهدية، أو كذا مما تضيع معه الحقوق، وتُعطى بسببه الفرصةُ أو الخدمةُ لغير مُستحقيها.

وإذا كان كبار الموظفين، يترفعون عن رشاوى وهدايا البسطاء، فإن الخطر الحقيقى فى مديري مكاتبهم وهيئة السكرتارية، الذين يفتحون باب المسئول على مصراعيه أمام مُقدمى الهدايا و الرشاوى، ويوصدونه فى وجه النزيه والشريف.

وإذا كان المسئول –  أيا كان –  جاهلا ببطون مُساعديه المُتسعة وجيوبهم المنتفخة فتلك مصيبةٌ، وإن كان عالما فالمصيبةُ أعظمُ.

إن موظف الدولة أيا كان منصبه هو خادمٌ للشعب، يتقاضى راتبه الشهرى من ضرائب ودمغات يدفعها أبناءُ هذا الشعب، فحرىُ به ألا يتوانى فى تلبية مطالبهم، وإنجاز مصالحهم، مُلزما مساعديه وسكرتارية مكتبه بتطبيق تلك السياسة.

إننا بحاجة ماسة لالتحام كل القوى، وتضافر جهود كل العاملين بالدولة، من قطاع إدارى، وأصحاب مهن حرة، وغيرهما؛ لنضمن لأنفسنا عيشة كريمة، وإذا كانت يدٌ واحدة لا تصفق، فإن صوت اليدين مسموعٌ، وتصفيقَهما قوى.

 فلنجعل لسان حالنا منطوق المثل الصينى الحاض على الالتحام: أنا يده وهو عينى، تلك العبارةُ التى قالها الكفيفُ الصينى(جيا هيسكا) حينما تحدث عن صديقه (جيا وينكى)، وكان مبتور اليدين، حيث عمل الرجلان بالزراعة، مُستعيضا كلٌ منهما بما عند الآخر، وبالتالى تمكنا من زراعة أكثر من سبعة أفدنة بالأشجار، بمعدل ألف شجرة كل عام، ضاربين أروع أمثلة التعاون والإخاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى