عَوْدٌ على بدء: أفغانستان وأصل المسألة
د. خضر محجز | فلسطين
اللوحة للفنان البلجيكي: لويس جاليت
أفغانستان دولة مسلمة أغلب سكانها سنة، يتبعون المذهب الحنفي، كان اسمها في زمن الفتوحات إقليم «خراسان». وأهلها متدينون إلى حد كبير، حيث لم تعرف تلك البلاد لنفسها هوية منذ الفتح الإسلامي سوى الإسلام.
فتح الصحابة أفغانستان في العام 21 هجري/642 ميلادي. في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد ابتدأت تباشير الفتح بانتصار المسلمين على الفرس، الذين كانوا يحتلون أفغانستان في موقعة «نهاوند» التي سُميت فيما بعد بـ«فتح الفتوح» وانتهت بتوغل جيوش الصحابة في أفغانستان، حتى تم فتحها بالكامل، مع بداية عهد الخليفة عثمان ذي النورين رضي الله عنه وأرضاه.
عانت أفغانستان من احتلال الإمبراطورية البريطانية، وخاضت حرب التحرير ضدها، حتى قيل إنها أفنت الجيش البريطاني بالكامل. فكان هذا التحرر النموذج الذي قلما يحدث.
أفغانستان في العصر الحديث كانت مملكة، آخر ملوكها كان «محمد ظاهر» الذي خلعه ابن عمه «محمد داود خان» في العام 1973 وحول البلاد إلى جمهورية فاسدة مثل جمهوريات العالم العربي وحكومات أمريكا اللاتينية.
انقلب الماركسيون على حكومة «محمد داود» وأقصوه عن الحكم، ثم أعدموه في عام 1978 وتولوا السلطة، وطبقوا برنامجاً ماركسياً، صدرت بموجبه مراسيم غيرت أحكام الشريعة في الزواج تغييراً جذرياً، مما ألهب مشاعر الأفغانيين، فثار الشعب، وقاد ثورته العلماء. وشن الشيوعيون حملة تصفيات ضد المعارضين.
في العام 1978 انقلب الشيوعيون على بعضهم واقتتلوا، واستعانوا ضد بعضهم بالسوفييت، خصوصاً حين تنامت قوة الحركات الإسلامية ـ إخوانية النزعة ـ وسيطرت على أجزاء من البلاد.
في العام 1979، دخل الجيش السوفييتي أفغانستان لدعم عملائه، ودعمت أمريكا الحركات الإسلامية، واشتدت الحرب وطالت، حتى وصل غورباتشوف إلى السلطة في الاتحاد السوفييتي في العام 1985، وأجرى عدة إصلاحات على النظام في بلاده، انتهت بانسحاب الجيش السوفيتي من أفغانستان بين العامين بين العامين 1988 ــ 1989، تاركا عملاء الشيوعية لمصيرهم.
دخل الثوار الإسلاميون البلاد وتقاسموها، بما يشبه تقاسم المتدينين الجدد اليوم ثروات بلادهم كلما وصلوا إلى الحكم فيها؛ لكنهم تصارعوا وطالت بينهم الحرب (1989 ــ 1996).
في هذه الأثناء تأسست المدارس الدينية من طلاب العلم الشرعي في أفغانستان برئاسة «الملا عمر» وواصلت نموها حتى سيطرت على كامل البلاد، وقضت على حكم الحركات الإسلامية الإخوانية الفاسدة، في العام 1996.
حكم «الملا عمر» وطالبان أفغانستان. وكان المرحوم «أسامة بن لادن» ـ المجاهد العربي السلفي النزعة في بلاد الأفغان منذ بدايات المعارك ضد السوفييت ـ صديقاً شخصياً للملا عمر وداعما أساسياً له في وجه فساد جماعات الإخوان المسلمين.
ومن هناك أسس الشيخ أسامة ـ رضي الله عنه ـ جماعته الخاصة التي جعلت همها ملاحقة أمريكا وإسرائيل.
في الحادي عشر من أيلو عام 2001 هاجمت أربع طائرات استشهادية برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك بما أودى بحياة آلاف الأمريكيين. فاتهمت أمريكا بن لادن بأنها وراء العملية، وطالبت الملا عمر بتسليمه، فاجتمع مجلس شورى طالبان وبحث الأمر وأصدر فتواه: «لا يجوز تسليم المسلم للكافرين، ولو فني المسلمون عن بكرة أبيهم».
وفي خلال هذه المدة انتشرت أشرطة فيديو بن لادن في بلاد العرب والمسلمين، كان أشهرها الفيديو الذي قال فيه: «والله الذي لا إله غيره، لن تنال أمريكا الأمن في بلادها إلا بعد أن يناله أهلنا في فلسطين واقعاً حياً».
بعد رفض الأفغان تسليم بن لادن، هاجمت أمريكا أفغانستان ودمرتها تدميرا، وأقامت فيها حكماً عميلاً لها بقيادة «كرزاي» الذي كان مضرب المثل عند الرئيس عرفات في الخيانة، حت خَلَفه خلفه الرئيس الذي هرب قبل يومين.
خلال ذلك لجأت «طالبان» و«بن لادن» إلى الجبال، يواصلون حربهم ضد أمريكا وعملائها من هناك.
طوال عشرين عاما تواصلت الحرب، حتى انتهت بانتصار أمس.
والآن دعونا نسأل عملاء أمريكا:
أهؤلاء الطالبان يشبهون ما لديكم من المتدينين الجدد، حتى تنحازوا إلى الجواسيس ضدهم؟ ألم يكن الأجدر بكم أن تنتظروا قبل أن تحكموا.
لكنكم جواسيس، اشترتكم اليوم إيران، وكنتم بالأمس مع أمريكا. ولا يعلم إلا الله مع من تكونون غداً.
جواسيس لكل زمن ودولة.