هِضَابُ الذَاكِرةَ

فايز حميدي | السويد – فلسطين

اللوحة للفنان البولندي: زيجمونت أجدوكيويتش

-١-
السماءُ تغصُ بركامِ الغيومِ
وشمسُ المغيبِ تُلملمُ أشعَتِها
وتُرخي عباءةَ الدُجى على أديمِ النَّهارِ

وأيائلُ البحيرةَ الموشاةَ جِباهها بالحنَّاءِ
القمرُ ينفضُ عن أطرافِها بَقايا الضَباب

والدربُ الضيقَ الأفعوانيُّ
يتشحُ بهدوءِ العَتمةِ الأنيسةِ
وانا العَابرُ الوَحيد..

نسيمُ الجنوبِ بنعومتِه المُبهمة يُرعشُني
ويريقُ قلقهُ في دَميِ
وَيوقظُ زهرةَ الشِّعر في شراييِني
فينسابُ نُسغُها كَلامَا
أيُّها الحبُّ لِما تَركتَني
في شُرفةِ المساءِ وحيداً.

-٢-
تأخُذني هِضابُ الذاكرةِ إلى بلادِ
لا يَشْبَهُها سِواها
يُقالُ لها الوَطن
جريحةٌ
مهانةٌ
منهوكةٌ
بلادُ الخوفِ ومدنُ اليَباب

بلادٌ هُزِمَ النَّهارُ من جنباتِها
منذُ مسَّها خَرابُ العَقْل الفعَّال
والإهمال …
حقلٌ مَسَّهُ الجَفافُ

سفنٌ أضاعتْ بوصَلتِها
وفي جَسَدِها وقعُ الدَّهر وَيدُ الكَفَنِ
بريشتِها المَسمومَة غاصتْ بدمِ البراعمِ
غياباً يسرفُ في الغيابِ
راوغتْ الوقتَ مدْحورةَ الأمومةِ
مَثقوبةُ الحواسِ
وقطعتْ أوردةَ العدلِ
ممسوسةٌ بروحِ الحَجَرِ
وَدَفنتْ نهاراتُها ببلاغةِ العُنفِ ..

-٣-
لم يَكُنْ الظّلامُ قدراً
وَلا اللغةُ الخَضراء مقابرٌ خَرساء

هُناكَ أشرقتْ يَوماً شمسٌ
نَمت تَحتُها عَرائسِ العُمر
وَبسطتْ فَراشةٌ وَلهى جَناحيّها
مثلَ طفلٌ يَبتكرُ حُلماً

هُناكَ للصباحِ نكهةُ عُصفورٍ مُبللّا بِالنَدى
وللمَساءِ لونُ البَنفسجِ

هُناكَ عجنَّا يَوماً الطَحينَ بالحَكايا
واحْتَفلنا بزفافِ السَّنابلِ والمَطر

هُناكَ بَزغَ اللبلابُ باسماً
وَنَما الحبُّ وَرَضعنا حليبَ الحُلم

هُناكَ عَرّينا أثْداءَ الدُجَى
وَأضْرَمْنا مَصابيحُ السَّهر
وَمعاً أوْقَظْنا رَخاوةَ الصَباح
وَنثرْنا عليهِ رذاذَ الحَنينِ
وَأزهارُ الأملِ..

(القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى