عبد الله يعظ أبناءه

عبد الله الحكماني | سلطنة عُمان

اللوحة للفنان السويسري: كارل شليزنجر

في مساء ليلة ماطرة من صيف عام ٢٠٤٠م جلس عبد الله وحوله أبناؤه على شاطيء بحر العرب الودود الولود وهبوب الكوس يحيطهم من كل جهة.
أكمل فنجان القهوة الثالث ثم وضع الفنجان بداخل وعاء كان بجانبه خصّصوه الابناء للفناجين.
عدّل جلسته وطلب منهم جميعاً أن يعدّلوا جلساتهم ويستمعوا لما سيقوله لهم من نصائح بإصغاء تام.
قال:ابنائي:أنتم الآن في بداية معترك الحياة فاعلموا أن الحياة مهما تظاهرت لكم بأنها مسالمة إلا أنها في حقيقة الأمر هي غير ذلك! لذلك لا بد لكم من الخوض في معتركها بسلاحٍ لا نظير له.
أبنائي: أنا عشت في هذه الحياة وخضت حروبها وهزمتني أحياناً خصوصا عندما أتخلّى عن السلاح الواجب حمله، وانتصرت عليها في أحايينٍ كثيرة عندما استعين بالسلاح الذي سياتي ذكره.
أبنائي:لا أعلم هل سأبقى بعد هذه العقود الستة التي قضيتها أم لا؟!ولكني أعلم أنّي إذا غادرت فسأغادر بجسدي و روحي فقط أما اسمي فسيبقى بكم.
أبنائي: أنا لست مثاليّا كما يصوّر بعض الآباء أنفسهم لأبنائهم بل أنا بشر مثلي مثل غيري من البشر بشرّي وخيري لذا خذوا مني الخير واتركوا الشرّ وكونوا أفضل منّي حالاً ومآلاً.
أبنائي:أفضل ما سأورّثه لكم هو ديني أي (الإسلام) فعضّوا عليه بالنواجذ وكفاكم من ميراثٍ عظيم! وهذا هو السلاح الذي قصدته لكم لتخوضوا به معترك الحياة وغمارها.
ابنائي: ستجدون في الإسلام ما يسعدكم في دنياكم وآخرتكم و ستجدون فيه ما يجعلكم تعيشون في الدنيا أعزّاء وتموتون وأنتم بأقصى درجات الكرامة.
أبنائي:إذا أردتم أن تبرّوني فحافظوا على دينكم وإذا أردتم أن تتصدّقوا عنّي فحفاظكم على دينكم يكفيني كصدقة ويزيد وإن أردتم أن تحافظوا على اسمي ورسمي في الدنيا فحافظوا على دينكم فدينكم فيه كل ما تنشدونه وأنشده.
أبنائي:سيأتيكم زمنٌ غير زمني وستعيشون في مجتمعٍ غير مجتمعي وستواجهون ظروفاً غير ظروفي! لذا ستكون مهمّتكم أكبر ومحنتكم أصعب ولكن عليكم بالصبر ففضيلة الصبر فضيلة لا تضاهيها فضيلة على وجه الأرض وزارعها لا يعدم من الحصاد طال الزمن أم قصر.
أبنائي:ستتعدّد الفتاوى وستختلف الشرائع وستكثر الفتن وسيزيد أعداد العلماء وسيختلط الحابل بالنابل لذا هنا يلزمكم أن تعودوا إلى مصدر الشريعة الإسلامية ومنهلها الصافي كتاب الله الذي تعهّد جل جلاله بحفظه إلى يوم الدين.
أبنائي: اعلموا أن الإسلام دين الإنسانية والحضارة وعمارة الأرض وغرس الآخرة و يدلّ على ذلك ما جاء في القرآن الكريم من آيات تحثّ على إعمال العقل وتحث على الالتزام بالقيم الإنسانية والفضائل من الأفعال والأقوال لذا عودوا إليه في كل صغيرة وكبيرة من شؤون حياتكم ولا تعتمدوا الاعتماد الكلي على غيركم في قراءة تشريعاته الا فيما قلّ وندر لكون البشر فيهم من لا تعلمون مدى علمه وحكمته ونواياه.
أبنائي:عليكم كما قلت لكم بالتمسّك بكتاب الله واتّباع أوامره واجتناب نواهيه وقراءته القراءة الصحيحة واعلموا أن القراءة الصحيحة لن تتمكنوا منها الا بالعلم والحكمة والعلم يأتي بالتعلّم المستمر والاطّلاع الواسع والقراءة المكثّفة والواعية لمختلف العلوم. أمّا الحكمة فتأتي من التأمّل في الحياة والناس والأحداث .فعليكم بالاستفادة من كل تجربة تمرّون بها في الحياة ومن كل ملاحظة تلاحظونها! ولا تتركوا شيئا من أمور الحياة إلا وأعينكم تنظره بدقة لا متناهية وعقولكم تحلّله التحليل المطوّل!
أبنائي: السلاح الذي أردتكم أن تواجهوا به الحياة هو الاسلام ولن تنهزموا بإذن الله وهو في أيديكم بل ستحقّقوا النصر في الدنيا والثواب في الآخرة بإذن الله الواحد الأحد.
أنهى عبدالله وعظه لأبنائه وطلب منهم أن يناولوه كوباً من الماء ليبلّ به حلقه بعدما شعر بشيء من الجفاف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى