هل يمكن الوصول إلى سلام عادل؟
نهاد أبو غوش | فلسطين
من وجهة النظر التاريخية والأخلاقية: لا يوجد سلام عادل، لا عدالة في التسوية بين مشروع استعماري استيطاني إحلالي قاهر، وبين حق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية
من وجهة النظر السياسية نحن نسعى ونناضل من أجل السلام المنسجم مع الشرعية الدولية والذي يستجيب للحد الأدنى من الحقوق الوطنية.
ثمة تحولات ملحوظة في المجتع الإسرائيلي تجعل خيار السلام أصعب مما كان عليه الحال قبل ربع قرن: هذا التحول بدأ بوصول حزب الليكود بزعامة مناحيم بيغن للحكم عام 1977، ثم تصاعد مع اغتيال رابين عام 1995
إسرائيل بدأت التحول إلى نظام صريح للتمييز العنصري (الأبارتهايد) مع إقرار قانون القومية، وشطب حل الدولتين وتنفيذ مخطط الضم في الواقع العملي وتدمير الفرص المتاحة لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
المجتمع الإسرائيلي في غالبيته الساحقة يجنح نحو التطرف، والتنافس عادة في الانتخابات هو بين اليمين واليمين المتطرف واليمين الأكثر تطرفا : حزب الجنرالات الجديد حزب يميني يتبنى نفس مواقف الليكود ونتنياهو، بما في ذلك موقفه من قانون القومية العنصري ولا يبدي أي استعداد لتسوية متوازنة مع الفلسطينيين
حزب العمل الإسرائيلي / اليسار الصهيوني التقليدي في طريقه للانهيار وتحوا إلى حزب هامشي غاية ما يمكن أن يقوم به هو أن يكون شريكا عديم التاثير، مع توقعات بألا يحصل على أكثر من 10 مقاعد من أصل 120 مقعدا.
اليمين الإسرائيلي المتطرف يستقوي بصعود اليمين الشعبوي الأقرب إلى العنصرية والفاشية في العالم وخاصة بعد وصول دونالد ترامب للحكم في اميركا.
صفقة القرن رغم عدم نشر بنود صريحة لها هي توافق أميركي إسرائيلي على تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية وخاصة حقنا في القدس وحق اللاجئين في العودة وحق بناء الدولة المستقلة، وجعل الحكم الذاتي المحدود سقفا لطموحاتنا الوطنية
رهان الفلسطينيين هو على أن الصمود والإجماع على رفض صفقة القرن سوف يكسر الهجمة اليمينية الفاشية المتطرفة، ويفشل صفقة القرن والتي لا يمكن أن تمرّ دون موافقة فلسطينية.
رغم النجاحات التي حققها نتنياهو في اختراق جبهة اصدقائنا التاريخيين وخاصة في افريقيا واميركا اللاتينية، وبروز ميول تطبيعية هنا وهناك، إلا أن الصمود الفلسطيني ورفض صفقة القرن سوف يساهم في لجم ميول التطبيع، وهذا برز في مختلف المحافل الإقليمية على الرغم من الهجمة المضادة التي تقودها قوى الرجعية والتطبيع والتبعية.
الموجة اليمينية الشعبوية في اوروبا والاميركيتين هي موجة مؤقتة وعابرة مع أنها خطيرة في تهديدها للأمن والسلم الدوليين، والعلاقات بين الدول والشعوب، وإعادة بناء علاقات تحالفية متينة بين القوى السياسية الحية والحركات الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني كفيلة بصد هذه الهجمات الشعبوية والفاشية والعنصرية.
أوضاعنا الفلسطينية الداخلية ليست بخير: الانقسام أنهكنا وأضعفنا وبدد قوانا واستنزف طاقاتنا في مواجهة بعضنا البعض، بدلا من المجابهة الموحدة لصفقة القرن ومشاريع تهويد القدس كما تسبب في تراجع الدعم الدولي لنضالنا المشروع، لذلك نحتاج إلى جهد عربي وإسلامي شعبي ورسمي داعم يدعم الوحدة ويساهم في طي صفحة الانقسام البغيض.
على الرغم من حالة الضعف الظاهرة حاليا، ثمة عناصر قوة يمكن استنهاضها والبناء عليها: ومن بينها الخيارات الكفاحية المتاحة كالانتفاضة والمقاومة الشعبية، القدرة على استخدام أدوات القانون الدولي كالمحكمة الجنائية الدولية، خيارات المقاطعة BDS التي تحقق نجاحات متتالية، في مختلف القارات والساحات.
كسر الهجمة اليمينية العنصرية، الأميركية الإسرائيلية ممكن، وهذا ما سيؤسس لإعادة بناء عملية سلام جديدة تقوم على قرارات الشرعية الدولية وبرعاية دولية موسعة حيث لم تعد أميركا مؤهلة لأن تكون الراعي الوحيد.
مطلوب منا أن نصمد ومن اصدقائنا وأشقائنا أن يدعموا صمودنا ريثما تمر هذه الموجة، وخلال ذلك ها هو العالم يتغير أمام ناظرينا ويتحول من عالم ذي قطب واحد إلى عالم متعدد الأقطاب.
صمودنا ونضالنا وخياراتنا الكفاحية المتعددة ستجعل الاحتلال باهظ التكاليف وهذا ما سيرغمه في نهاية المطاف إلى التسليم بالحاجة إلى عملية سلام جديدة كما كان عليه الحال في نهاية الانتفاضة الأولى التي جاءت بحزب العمل ورابين إلى الحكم.