سجال شعري بين الشاعرين أشرف حشيش وثناء حاج صالح
موضوع السجال (الإحساس في الشعر)
أشرف حشيش (1):
ما كنتُ أكتبُ شيئا لا أحسُّ بهِ
كلُّ الكتابةِ عن نبضي وإحساسي
.
وغابَ عنكم بأنَّ الحزنَ يأخذُني
عبرَ الشعورِ لضغطِ الدمعةِ القاسي
.
فهل بخلتُ بقلبٍ كنتُ أحملُهُ
في لحظة الشوق أشعارا إلى الناسِ ؟!
.
ليت انتصفتُ من اللوامِ لو عرفوا
ما يفعلُ الحرفُ في شريانِ كرّاسي
.
لأوجدوا العذرَ للسهرانِ في وَجَعي
وسامحوا الشيبَ في رمشي وفي راسي
.
ثناء حاج صالح:
.
وَاسِ المُصابَ بِداءِ القَلبِ والرّاسِ
يُبكي ويُضحِكُ من مَسِّ وَوَسواسِ
.
لم يُفلحِ الطِّبُ في إحصاءِ نَبضَتِهِ
جَلَّ المَقيسُ عنِ استيعابِ مِقياسِ
.
من يُوقدُ الشِّعرَ في الإحساسِ مُحتَطَِبُ
لا تنشُرُ الدِّفءَ إلا ضَربَةُ الفاسِ
.
هو المُحَرَّقُ مَنظورٌ بِلَوعتِهِ
والناسُ تنظرُ، من لاهٍ ومن ناسِ
.
الحِسُّ في الشِّعرِ أعنابٌ لمُعتَصِر ِ
وما تُخَدِّرُ إلا صَاحبَ الكاسِ
.
أشرف حشيش:
(٢)
خُضنا القصائدَ حُبّا لا مُشاكسةً
وفحمةُ الروح صُغناها كألماسِ
.
كيف استقام لهم أنْ يحكموا سَفَها
على ثراء قوافينا بإفلاسِ ؟!
.
إنا فتحنا جراحاتٍ مُغلّقةٍ
من المعاني التي سُدت بوسواس
.
نطوف نزفا مع التاريخ مندلعا
من كَرمل المجد حتى مجد أوراسِ
.
عينٌ على الشام والأخرى على عدنٍ
نراودُ الشعر من (مصرٍ) إلى فاسِ
.
ما أجمل البوح ! لا تركيبَ يسألُني
عن الهُويةِ بين الخلق والناسِ
.
ولا البديع بعرض السطر (فتّشني)
ولا البيان يلاقيني بحُراسِ
.
باب البلاغة مفتوح لجنته
كباب قلبك ما استعصى بدرباس
.
ثناء حاج صالح:
.
لا تَحفَلنَّ بريحٍ صارعتْ جبَلاً
تفنى الرياحُ ويبقى الشّامخُ الرّاسي
.
مِن رِقّةِ القلبِ أغرينا الذّئابَ بنا
ونحن أخطرُ خَلـقِ الله بالباسِ
.
قد نبلعُ الطُّعمَ أسماكاً لرأفَـتِـنا
بمن تَجَشّم رِزقَ الماءِ من ياس
.
ما كنتُ في الشّعرِ إلاّ مُهرةً هربتْ
من مَربَضِ الخَيلِ في أسواقِ نَخّاسِ
.
أعدو إلى الشعر من ذُعرٍ ليؤنِسَني
وما أطيقُ بغير الصِّدقِ إيناسي
.
.
أشرف حشيش :
(٣)
قد تخطرُ الريحُ في أفكار مندفعٍ
فلا يكون بها إلا كــ(جسّاس)
.
يحرّكُ الزيرَ للإجرام منتقما
فيشربُ ( الدّمَّ) بعد الخمر والكاسِ
.
نحن اُحتُبسنا بقيد الشك من زمنٍ
ونضربُ العمرَ أخماسا بأسداسِ
.
ننهى عن العضّ إلّا أنّ أمتنا
قد حدّثتنا بأنيابٍ وأضراسِ
.
فلا أميّة تلقى عفو ألسنةٍ
ولا رأفنا بتركيٍّ و عباسي
.
فحسبيَ الشعر وردا فاح منتصرا
بروعة الروح حتى صار نبراسي
.
ثناء حاج صالح:
.
قد يَكسِرُ الشعرُ من عينِيْ زُجاجَتَها
والكاسرُ الحُسنُ والمكسورُ إحساسي
.
ولم أقاومْهُ إلاّ قاصداً زَللاً
لا باركَ اللهُ فيمن شِعرُه خاسِي
.
فالسّاقطُ الوَحلُ أمطارٌ تُكنِّسُهُ
والسّاقطُ الشِّعرُ لا يحظى بِكنّاس
.
قاسٍ تَغاضِيكَ عمّن زَرعُهُ عَفَنٌ
وإن تلامَستَ مع مَزروعِهِ، قاسِ
.
لم أوقفِ النهرَ حين استأتُ من بَللٍ
لكن أقمتُ لصَدِّ الجَرفِ مِتراسي
.
.
أشرف حشيش:
(٤)
مناعة الشعر عند البعض قد نقصت
من قلةِ الذوقِ لا من ضعفِ أنفاسِ
.
وجرعة الطُّعْم لا تجدي لأسطرهم
ولو تعاطوه أمصالا بأكياس
.
لنترك الرأيَ جنبا في قراءتِنا
ونصدرِ الحكمَ قسطاسا بقسطاس
.
كلّ الذين بشعر الحب قد كتبوا
لم يبلغوا القول في نصٍ لــ(نوّاسي)
.
هذا يهيمُ ، وذاك الشوق يقتله
والبعض طار كما طار ابنُ فرناس !!
.
فأين قيمة فن الشعر في زمنٍ
تربع الحُكم فيه الأرعن الخاسي؟!
.
ثناء حاج صالح:
.
وَيلي من الشعر! غازٍ غيرُ مُحتَرِسٍ
أنَّى أقابلْهُ أستنجدْ بحُرّاسي
.
سابٍ من الصدرِ أنفاسيْ ومُعتِقُها
ما عدتُ أعرِفُ ما أحوالُ أنفاسي
.
تُغري المحاراتُ باللولو فلا عَجَبٌ
لا يَعجَبُ البحرُ من أشواق غَطّاس
.
ولو أجيبُ مَحاراً في مَطالبِهِ
لا يطلبُ الدرُّ إلا عُنقَ لبَّاسِ
.
فالبَسْ من الشعرِ شَفَّا غيرَ ملتبَسٍ
واحذر مَراياكَ. ما من شاعرٍ كاسِ
.
ما أطيبَ الشعرَ محفوفًا بجُلاّسِ
سهرانُ قئلُهُ في رقدة الناسِ
يحتارُ في فمه حرفٌ بلا نزقٍ
فكيف يأتي الألى حرفًا كمتراسِ
إنّ اللقاءَ مع الهجرانِ ما التقيا
إلاّ لزرع الجوى في أرض إيناسِ
كم لذّةٍ لكما في الشعر خالصةٍ
توحي بطيب الرجا في الحبّ والناسِ
كم شاعرٍ همُّهُ شعرٌ ينادمهُ
رقّتْ بلاغتُهُ ترقيق ألماس
يا صاحبَيْ إنّ همٌّ بين شعركما
إنّي أعيذكما من شرّخنّاس
تصحيح :
يا صاحبَيْ إنّ همًّا بين شعركما