الخان الأحمر.. استمرارا لسياسة “هنود حمر” مع بدو الأغوار
بقلم: نبيل عودة
Musa Celik الفنان التركي المبدع
مرة أخرى تثار قضية الخان الأحمر وهي قرية بدوية فلسطينية في منطقة القدس العربية، تقع بين مستوطنة معالي ادوميم (المقامة عمليا على أراضي الخان الأحمر) ومستوطنة كفار ادوميم، أهمية الخان الأحمر انها قرية بدوية تملك (أو كانت تملك) أكثر من 16 الف دونم وعدد قليل جدا من السكان، تطمع فيها إسرائيل لتوسيع مستوطناتها في القدس العربية.
الخان الأحمر هي قرية فلسطينية بدوية لقبيلة تعرف باسم الجهالين، شرد اهلها من النقب بعد إقامة دولة إسرائيل (حسب المصادر شردوا عان 1952من النقب). واحتلت الخان الأحمر مثل سائر فلسطين عام 1967. وها هو الطرد يلاحقهم مرة أخرى.
موقع القرية له أهمية استراتيجية فهي تربط شمال وجنوب الضفة، وهي مفتاح للفصل بين مستوطنات القدس وسائر مناطق الضفة الغربية التابعة للسلطة الفلسطينية. ربما كنوع من تقسيم جديد لفلسطين يبقي للفلسطينيين غيتو فلسطيني صغير. اشبه بمناطق الهنود الخمر في أمريكا!!.
مشكلة الاحتلال الاستيطاني ان وجود البدو بين سفوح الأغوار وتلالها ووديانها يشكل عائقا أمام مشاريع التوسع الاستيطاني والسيطرة على الأرض ومصادر المياه في الأغوار.
سلطات الاحتلال الإسرائيلية طرحت بدائل تعتبر الأخطر ضد الوجود الفلسطيني في الأغوار، بخطة ظاهرها تطويري وجوهرها سيطرة اسرائيل ومستوطنيها على المزيد من الأرض الفلسطينية ومصادر المياه، عبر تهجير مخطط للبدو من مناطق تواجدهم التي ينتشرون فيها منذ مئات السنين، و”اسكانهم” في بلدات ستكون اشبه بـ”المحميات الطبيعية” التي كانت من نصيب “الهنود الحمر” في أمريكا وهي مناطق معزولة عن المجتمع الأمريكي الأبيض ضمن سياسة عنصرية لم يعرف التاريخ البشري نماذجَ شبيهة بها (الا في اسرائيل المعاصرة طبعا) وسيكون مصير البدو نسخة اخرى للاستيطان “الأمريكي الأبيض” لكن في فلسطين، كل الدلائل تشير انه اكثر بشاعة من سابقه التاريخي – الأمريكي!!
الاحتلال لا يستعمل اصطلاح “محميات طبيعية” يعزل فيها البدو الذين يشكلون حجر عثرة في طريق التوسع الاستيطاني والسيطرة على المزيد من الأرض الفلسطينية. عقلية الاحتلال اوجدت اصطلاحا جديدا “خطة إعادة التموضع” التي تم إقرارها في عام 2011 وتنفّذ على مراحل كي لا تثير ضجيجا يكشف عمق الخطط الاستيطانية للاحتلال، المضحك ان سيطرة اسرائيل على مصادر المياه، لا يثير نفس موجة الغضب الذي يثار من السيطرة على الأرض ومشاريع البناء.. رغم ان للمياه قيمة استراتيجية أكثر خطورة من احتلال الأرض!!
تقوم جرافات الاحتلال منذ سنوات وبحراسة حرس الحدود والجيش وبوجود ممثلي الادارة المدنية، بتنفيذ عمليات إخلاء تهدّم فيها منازل البدو وخيامهم، ويلحقون الضرر بأطفالهم خاصة، ويضيقون عليهم مناطق المراعي للمواشي، ويصادرون خيم الطوارئ التي تتبرع بها منظمة الصليب الحمر الدولية ومنظمات مساعدة انسانية أخرى. ويفرض جيش الاحتلال حصارا، لمنع وصول المساعدات الانسانية الأولية، تفحص كل المركبات التي تعبر الشوارع المحاذية لمناطق البدو التي تتعرّض للهدم للتأكد من خلوّها من أي مواد مساعدة للمهجّرين عنوة. وحتى خزانات المياه توقف ويسكب الماء على الأرض.
هناك حجة إسرائيلية ليست جديدة لتغطية عمليات التهجير للفلسطينيين من أراضيهم وقراهم هي حجة اقامة مناطق للتدريبات العسكرية.
منذ عام 2012 تكرّرت هذه التدريبات ثمانية مرات، كان الجيش يأمر الرعاة والمزارعين ترك المنطقة “مؤقتا” حتى “لا يلحق بهم الأذى” وطبعا هذه حجج لا قيمة لها !!
حسب تقارير مختلفة صدرت عن مركز القدس للمساعدة القانونية؛ تعمل الادارة المدنية الإسرائيلية على بلورة خطة الاقتلاع منذ عام 2011، البعض أطلق على هذه العملية صفة “عملية تطهير”، هناك مؤشرات لتطبيقها الفوري، اوقفت العملية مؤقتا وقت المفاوضات والتردد الأميركي من قرار اسرائيل، الى جانب تعرض سلطات الاحتلال لضغوطات من قبل الاتحاد الأوروبي والمنظمات الحقوقية لإيجاد بدائل للبدو الذين يتم ترحيلهم (تطهير ارضهم منهم) وهدم منازلهم بعد ان فقدوا حق التنقّل، مركز القدس للمساعدة القانونية أوضح في وقته ان الادارة المدينة للاحتلال طرحت بدائل لتجميع البدو في مساحات محددة ضمن المناطق المصنفة “ج”، الا انها لا تلبي احتياجات البدو ونمط حياتهم.
المثير في الأمر ان ما يسمى مناطق تدريبات عسكرية باتت تشكل 46% من مساحة الأرض في الغور، اسرائيل لا تكتفي بذلك، اذ أعلن الاحتلال عن 20% من الأراضي الفلسطينية في الغور منطقة طبيعية محمية، أي يمنع الدخول اليها وزراعتها او الرعي فيها او الاقامة فيها.
حسب تقارير سبق نشرها في صحيفة “هآرتس” جرى زرع آلاف الألغام في المنطقة، هذا الى جانب مصادرة 2500 دونم زراعي من الفلسطينيين من اجل بناء السور الأمني. في الفترة الأخيرة أعلن عن مصادرة 4 الاف دونم بإعلانها “أراضي دولة” النتيجة انه من مساحة 1.6 مليون دونم في الغور، تسيطر اسرائيل على 78% من الأرض. الجدير ذكره ان الغور هو أكثر المناطق هدوء وأمنا للمستوطنين ولا يقوم الفلسطينيون “بمضايقات” للمستوطنين الذين أخذوا الأرض وسيطروا على أغلبية مصادر المياه ليطوروا زراعة نموذجية في ارض محتلة، بينما المزارع الفلسطيني يفتقد لمياه الري، مياهه، ويضطر للانتقال للزراعة البعلية مما أضر برزقه أيضا وبالاقتصاد الفلسطيني عامة.
وكان البنك الدولي قد نشر تقريرا قبل سنوات عن واقع المجتمع الفلسطيني تحت عنوان “المنطفة (ج) ومستقبل الاقتصاد الفلسطيني “جاء فيه ان إسرائيل تتحكم بقطاعات واسعة من أراضي الضفة الغربية، وهذا يحمل الفلسطينيين أعباء اقتصادية تقدر بـ 3.4 بلايين دولار في السنة، او ما يعادل 35 % من الناتج المحلي الاجمالي، حسب ما جاء في تقرير للبنك الدولي.
جاء في التقرير ايضا ان رفع القيود على دخول المنطقة وعن مصادر المياه سيعزّز كثيرا الزراعة. وتعود ملكية معظم الاراضي الزراعية في المنطقة “ج”، 326400 دونم، للفلسطينيين، مقابل187 الف دونم الحقت بالمستوطنات الاسرائيلية. وقد اقيمت كل المستوطنات الاسرائيلية، التي تعتبر غير مشروعة بموجب القانون الدولي، في المنطقة “ج”.
جدير بالتذكير أن ترحيل المواطنين الفلسطينيين من أماكن سكناهم تشكل خرقاً ومخالفة للشرعة الدولية لحقوق الإنسان ولبنود القانون الدولي الإنساني خاصة المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على أنه “يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه”.
لكن الحماية الأميركية للاحتلال توفر غطاء للتجاوزات الإسرائيلية.