العبودية في بلاد الإسلام

حسام عبد الكريم | كاتب و باحث من الأردن

الصورة حقيقية، وقد التقطت قبل 109 سنة, وهي لإحدى بنات الرقيق في المغرب

(1)

علينا ان نعترف ان تحرير العبيد في العصور الحديثة قد تم نتيجة للنهضة الحضارية في الغرب. وبالتالي فإن ما تعلمناه في المدارس من أن الإسلام حرر العبيد والمقولة الشهيرة المنسوبة لعمر بن الخطاب “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا” ليست سوى شعارات لم تجد صدى لها على أرض الواقع ولا تسندها الحقائق التاريخية.

فالدول الأوروبية هي التي ابتدأت العمل والتنفيذ لتحريم وتجريم الرق والعبودية، وعلى المستوى الحقوقي والقانوني أيضاً. فالسويد كانت الدولة السباقة في القرن الــ 18 فقاموا ووضعوا في دستورهم بنود تحرير العبيد, وتحريم تجارة الرقيق. تبعتها بعد ذلك البرتغال وبريطانيا وفرنسا التي أعلنت إالغاء الرق في مستعمراتها. وبعد ذلك تتالت الدول, أمريكا والأرجنتين والبرازيل إلى أن توّج ذلك في عصبة الأمم المتحدة سنة 1906.

وأما بلاد العرب والمسلمين فقد لحقت بالركب متأخرة, وفي أحيان كثيرة محرجة أو مُرغمة! والحكومة السعودية انتظرت إلى سنة 1962 لتعلن رسمياً منع ممارسة الرق في البلاد. ولغاية اليوم يُقال ان العبودية لا تزال موجودة وممارسة في بعض مناطق العالم الإسلامي رغم أن جميع الحكومات أعلنت عن منعها رسمياً.

والسبب الرئيسي لذلك هو إصرار فقهاء الإسلام وأصولييّه على التمسّك بحرفية النصوص الدينية التي لا تحرّم الرق إصرارهم على اعتبار أحكام الرق والجواري وملك اليمين في الاسلام مطلقة ولا تختص بزمنٍ مضى وانقضى المشكلة في التمسك بالنص, وتقديس الكلمات دون تدبّر, واعتباره عابراً للزمان والمكان.

(2)

فقيام الحكومات بمنع وتجريم ظاهرة العبودية ليس كافياً للقضاء على الظاهرة من جذورها. لماذا؟ لأن المؤسسة الدينية الرسمية في العالم الإسلامي وبالذات هيئة كبار العلماء في السعودية لا زالت لا تملك الجرأة الكافية لتحرّم العبودية من حيث المبدأ تحريماً – دينياً وشرعياً قاطعاً.

فهيئة كبار العلماء لم تقم يوما بالإعلان الرسمي والصريح عن تحريم مبدأ الرق والعبودية من الناحية الشرعية, بل غاية ما فعلته أنها سكتت عن قيام الحكومة السعودية بمنع ممارسة العبودية رسميا قبل 59 سنة.

ومعنى ذلك أن المؤسسة الدينية لا تقول إن الرق شرٌّ مطلقٌ في ذاته وأنه قبيحٌ وإن أيامه لن تعود أبداً فلسان حالها يقول إن نظام الرق “معطّل” حالياً دون أن ترفض عودته إذا تغيرت الظروف! وبالفعل فقد حصلت عدة مواقف وحالات في عدة بلاد إسلامية فضحت حقيقةً مستورة: الرق لا يزال مقبولاً على المستوى الفكري لدى أوساط كثيرة في المجتمع, وللأسف.

وذلك أوضح ما يكون لدى تيار السلفيين الذين يتعاملون مع نظام العبودبة على أساس أنه غير موجود بحكم الأمر الواقع ولكن لو تغيرت الظروف وصار الرق ممكنا فلا بأس به! بل إن بعضهم يحن لنظام الجواري والعبيد ويتمنى عودته.

ومن يقوم بجولةٍ على مواقع السلفيين العديدة سوف يصدم من وجود الكثير الكثير من الكلام الصريح الذي يعبّر عن تأييد نظام العبودية في الإسلام واعتباره من الأشياء التي خسرها المسلمون بفعل الأجانب والكفار والمستعمرين! ويمكن الرجوع مثلاً إلى “منتدى أهل الحديث ” و “شبكة أنا المسلم” و “شبكة الألوكة” و “منتديات الجامع الإسلامية”.

(3)

إذن جوهر المشكلة هو أن النصوص الشرعية (القرآن الكريم والسنة) لم تحرم الرق, بل تعاملت مع تلك الظاهرة بشكل واقعي، أقرب إلى التنظيم والضبط منه إلى المنع والحظر. صحيح أن النصوص الشرعية قد دعت إلى الحد من تلك الظاهرة, وحثت على مبدأ العدالة الإنسانية والمساواة, وأوجدت طرقاً لتحرير العبيد, وأعطت حوافز للمؤمنين من أجل الإحسان إلى العبيد ورحمتهم، لكنها لم تصل إلى حد التحريم. أي أن مفعول تلك النصوص الشرعية (وهي كانت قفزة إيجابية بالقياس لما كان موجوداً قبل الإسلام) اعتمد على مدى حب الخير عند المؤمن ورغبته في الحصول على الثواب؛ أي ” مندوب ” بالمصطلح الشرعي. أي أن النصوص الإيجابية للإسلام بشأن العبيد لم تصبح قانوناً شرعياً مفروضاً وملزماً, وإنما بقيت في إطار طوعي/ اختياري للمسلم. فنصوص القرآن والسنة لم تحرم العبودية. هذه هي الحقيقة التي علينا أن نتعامل معها في نهاية المطاف.

والحل؟ لا مخرج عندنا سوى اعتبار كل تلك النصوص الشرعية التي تتعلق بالجواري والعبيد وملك اليمين خاصة بزمانٍ مضى وانتهى, وبالتالي نصوص تاريخية غير ذات صلةٍ بنا. أي تحويلها من نصوص وأحكام شرعية إلى قضية تاريخية. وإذا شئت أن أضعها بصياغةٍ فجة: تعطيل كل تلك الأحكام جملة وتفصيلا.

لا يوجد أي حلّ آخر . وبخلاف ذلك سنبقى في دائرة مفرغة. نلف وندور ونتكلم عن سماحة الإسلام ورحمته، ولكننا نقف عاجزين عن نطق الكلمة: العبودية حرام, مهما قلنا وقدمنا من مرافعات سنبقى عاجزين عن استنكار مبدأ استعباد الإنسان لأخيه الإنسان!

(4)

ففيما يتعلق بالرق والعبودية بالتحديد, وفي القرن الواحد والعشرين, لا ينبغي أن يكون هناك أنصاف مواقف أو كلام موارب. العبودية قبيحة , العبودية شر مطلق لا يجوز تلطيفه بكلمات جميلة عن الإحسان للعبد ومعاملته برقة ! الكلام الإنشائي لا يجوز هنا.

العبودية أيها الناس تعني استباحة الإنسان لكرامة وإنسانية أخيه الانسان. العبودية أيها الناس تعني تحويل الإنسان إلى “شيء” يباع ويشترى. العبودية تهبط بمستوى الإنسان إلى الحيوان. العبودية شيء فظيع, همجي ولا إنساني, والحمد لله الذي هدى البشرية إلى التخلص من هذا الشر الخالص.

أما اللف والدوران والمداورة والكلام عن دور الإسلام في تحسين ظروف وحياة العبيد, أو ضرب أمثلة عن بعض الأشخاص الورعين الذين عاملوا عبيدهم بشكل أخوي وجميل, أو رسم صورة وردية للعبيد في الإسلام وكيف كانوا يحبون سادتهم ويحبهم سادتهم, أو أن المسلم لا يحق له استرقاق أخيه المسلم، وغير ذلك مما يلجأ له بعض المحرَجين الذين يدركون مدى قبح الرق وفي ذات الوقت لا يجرؤون على ” رد ” النصوص التي لا تحرم مبدأ الرق, فكله مما لا يسمن ولا يغني من جوع, كله لا يقنع منصفاً ولا يصب في مصلحة الإسلام اليوم. لا بد من طيّ الصفحة, مرة وإلى الأبد.

العبودية ظاهرة تاريخية, تعامل معها الإسلام في حينها. وكل النصوص التي تتعلق بها انتهى مفعولها ولا علاقة لها بنا اليوم , ولا غدا. لا ينبغي لنا أن نشعر بالحرج من رفض مبدأ وفكرة العبودية من أصلها حتى لو كانت النصوص تبيحها.

(5)

وحتى نبتعد قليلاً عن الكلام النظري, أشير هنا إلى كتابٍ قرأته قبل سنوات عن العبيد والجواري في مصر في العهدين الفاطمي والأيوبي للدكتورة نجوى كيرة. وبه الكثير من التفاصيل المذهلة عن العبودية وكيف كان يتمّ الاسترقاق, و”إنتاج” العبيد. وكيف كان يتم اختطاف البشر، واجتثاثهم من أسرهم وقراهم، وإبعادهم عن أوطانهم، وتقييدهم، وإخضاعهم للسّخرة، وتحويلهم إلى آلات حيّة، ونفي بشريّتهم وكرامتهم…ودموع الأمّهات وصيحات الأطفال الذين فرّقت بينهم وبين أمّهاتهم أيدي النّخّاسين.

وأذكر معلومة تتعلق بالطبقة الأدنى في عالم العبيد, وهي طبقة الخصيان! وفي ذلك الزمان كانت هذه الممارسة الوحشية شائعة, حيث كان الكثيرون من أطفال العبيد يخضعون لعملية “إخصاء” تتم في الغالب في إحدى مدن أثيوبيا (وشلو) التي اشتهرت بها. ومن تكتب له الحياة من هؤلاء الأطفال بعد تلك العملية الفظيعة يتم بيعه بثمن مرتفع إلى طبقة الخلفاء والحكام والسلاطين والأمراء ليخدم في قصورهم. والخصيّ طبعاً كان يتحول إلى نوع من الخنثى, ولذلك كان السادة يرغبون بهذا النوع من العبيد لأنه لا خوف على حريمهم منهم… فظاعات وبشاعات لا حصر لها يحفل بها تاريخنا. فظاعات لم يتمكن الإسلام من منعها للأسف

وختاماً, علينا الاعتراف نحن العرب أن تراثنا الموروث مليء بالعنصرية تجاه الأفارقة وذوي البشرة السوداء. ولا زالت آثاره إلى اليوم . فحتى لغتنا العامية وكلامنا اليومي به الكثير من نزعات التحقير تجاه غامقي اللون, والتعالي عليهم, بل والعنصرية الصريحة تجاههم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى