مرض السلفية السياسية
توفيق أبو شومر | فلسطين
اعتدنا أن نطلق كلمة، السلفية على أصحاب عقيدة العودة إلى التاريخ الديني السالف، وهم مَن يعتقدون بأنَّ مبادئ الأخلاق بأسرها (كانت)، أما الحاضر فهو عدوٌ، مملوء بالموبقات، أما المستقبل فهو شرٌّ مُستطير، يحمل في طياته الشؤم والفساد، ولا نجاةَ للعالم إلا بأنْ يُعيدوا اعتناق تعاليم السلف الصالح، على أيدي دُعاة الحاضر!
غير أنَّ هناك سلفيةً أخرى غير مشهورة، هي سلفية سياسية، سلفية تشبه السلفية الدينية في تمجيدها للماضي السياسي السلفي!
معتنقو مذهب السلفية السياسية والحزبية هم أيضا يرون في الحاضر السياسي خطأ فادحا، يجب تصحيحه فورا، على أيدي ورثة السلفيين السياسيين!!
إن دعوتهم ليست بريئة، بل هي دعوة لأنفسهم، فهم يرفضون الحاضر الآثم، ويُحذرون من المستقبل القادم المظلم، إنهم يعتمدون في ذلك على تقنيات عديدة، أبرزها، تزيين الماضي السياسي، باستخراج لقطات تاريخية، في صورة قصصٍ مشوقة للزعماء العرب السالفين، ثم تسويقها، لتصبح قاعدة رئيسة للحشد الجماهيري!
يستخرج هؤلاء السلفيون السياسيون سيرَ الزعماء السياسيين السالفين، ويجعلون من أقوالهم السالفة شعاراتٍ حزبيةً جديدة، ويرفعون صور السلف السياسي الصالح كزعماء تاريخيين بارزين، ويؤلفون في ذكرى ميلادهم أو وفاتهم الأشعار والطرائف، وينشرون المؤلفاتِ والكتبَ في ذكرى جلوسهم على عرش السياسة!
هؤلاء السلفيون السياسيون مصابون بالنرجسية، أي، عبادة الذات، لأن حبهم للسلف، هو عِشقٌ خالص لصورهم، وتاريخهم الشخصي السالف، فهم حين يمدحون السياسيين الغابرين يمدحون أنفسهم، لأنهم عاصروا تلك الفترة، ورافقوا سياسييها، وأخلصوا في طاعتهم، ونالوا الحُظوة والغنائم.
أما السلفيون، صغار السن، ممن لم يعاصروا السياسيين السالفين فهم في الغالب ناقمون على الراهن السياسي.
أعرف شخصا، كان ينتقد الزعيم الراحل، جمال عبد الناصر، نقدا (تشريحيا)، فعبد الناصر من وجهة نظره، ديكتاتور قامع، أمَّم الشركات، وصادر الحريات، وانتهك حقوق الإنسان، وما إن مرتْ سنواتٌ طويلة على غياب هذا الزعيم، حتى صار هذا الشخص مُحبا (ولهان) لسيرة الزعيم الراحل، بطلِ الأبطال، ومحررِ الأوطان، فهو الرئيس الزاهد، مؤسس الدولة، باني دعائم الوحدة العربية، ومؤسس التيار العالمي الثالث، المتمثل في دول عدم الانحياز!!
نسي هذا السلفيُ السياسيُ نقدَه التشريحي السابق للرئيس، جمال عبد الناصر، ونسيَ أنني كنتُ أسمع نقده، وأشتبك معه في حوارٍ، لا ينتهي إلا بخصامٍ طويل، فقد كنتُ أرفض نقدّه التشريحي، والتجريحي للرئيس جمال عبد الناصر، كنتُ أرى في عبد الناصر بطلا تاريخيا، وسياسيا بارزا في المجال العربي والدولي!
ينتشر مرضُ السلفية السياسية، أو الرجعية السياسية، في أوطان الزلازل والبراكين السياسية، الأوطان التي تسير على مذهب العشوائية، أو الأوطان المُسيَّرة من غيرها، وهي أقل انتشارا في الأوطان المتحضرة، أوطان القيادة والقوة، حيث دول المستقبل المشرق المزهر، المشغولة بتأسيس بنيتها الحضارية، وليس في جدال سلفيتها السياسية.
نَجتْ أكثرُ الدول المتقدمة من مرض السلفية السياسية، بعد أن أدخلتْ السلفيةَ السياسية دروسا في كُتب التاريخ، وأعادت صياغتَه فنيَّا، على شكل أفلام سينمائية، تُحاكي الحقائق التاريخية، لغرض استخلاص الدروس المستفادة، وبخاصة الأخطاء، حتى لا تقع فيها تلك الدول مرة أخرى!