حرب أكتوبر ودولة الأساطير
بقلم: توفيق أبو شومر
ستظل حرب أكتوبر، أو حرب يوم الغفران عام 1973 نقطة فاصلة في تاريخ إسرائيل، لأنها الحرب الوحيدة التي ظلت ماثلة أمام الإسرائيليين كلهم في كل المناسبات،لأن نتائجها كانت مختلفة عن كل الحروب السابقة، فهي هزيمة لجهاز المخابرات، وهو أقوى أجهزة إسرائيل، وأكثرها مناعة، وهي كذلك هزيمة للمسؤولين السياسيين والعسكريين، من فئة الرموز الكبيرة، أمثال غولدا مائير وموشيه دايان، حسب اعترافات الصحفيين والقادة العسكريين، وهي هزيمة عسكرية بالمفهوم الأكاديمي الحربي، بالإضافة إلى أنها نصرٌ كبير للجيش المصري والسوري وللروح المعنوية العربية في تلك الفترة.
ستظل هذه الحرب مثار جدلٍ في إسرائيل،لا لخدمة حزبٍ من الأحزاب، بل لأنها شكَّكت للمرة الأولى في وجود إسرائيل، لدرجة أن موشيه دايان كان على وشك استعمال السلاح النووي، كما لمَّحت إلى ذلك التقارير الصحفية الإسرائيلية بعد عقود من هذه الحرب.
لقد ألقتْ حرب كيبور، أو حرب أكتوبر شكوكا في قدرات جيش الدفاع الإسرائيلي، فقد تمكن الجيشُ المصري من تحطيم خط بارليف المنيع! وتمكنتْ المضادات السورية من إسقاط ست طائرات إسرائيلية، وقتل طياريها، وفشل جهاز المخابرات في توقُّع الحرب على الرغم من توفُّر معلوماتٍ كانت تشير إليها!
وكانتْ الصحافةُ في تلك الحرب هي الضحية، فقد أشار الكاتب يارون لندن بأن الرقيب العسكري الإسرائيلي كان هو الوحيد المسؤول عن نشر التقارير الصحفية، وكان الصحفيون يُجبَرون على تسليم أخبارهم وتحقيقاتهم للرقيب العسكري أولا قبل نشرها!
يقول الصحفي عاموس هارئيل في صحيفة هارتس:استمر شبحُ حرب يوم الغفران مخيما على إسرائيل مدة طويلة، غير أن جيش الدفاع تمكَّن من الخروج من ظلالها الكئيبة، قبل عامين فقط، بواسطة جيلٍ جديد من العسكريين، ممن لم يشهدوا تلك (الهزيمة)، وأولهم رئيس هيئة الأركان بني غانتس الذي كان وقت حرب يوم الغفران في الصف الخامس الابتدائي، وكذلك كان إليعزر توليدانو قائد سلاح المظلات، ويانيف آشور قائد كتيبة غولاني، فقد كانا طفلين في زمن الهزيمة!استفاد هؤلاء الأبناء من أخطاء الآباء، وهم اليوم يقومون بتصحيح المسار وتقوية الجيش لغرض منع أية مفاجآت أخرى على نمط مفاجأة حرب يوم كيبور، فهم قد صححوا المسار الذي يتعاملون فيه مع التقارير الاستخبارية، وهم قد طوروا أساليب الدفاع، فهاهو الجيش يتدرب في ساحة الجولان على حربٍ مفاجئة، ليسدد عجز سلاح الجو الإسرائيلي في حسم المعركة في تلك الحرب، كما أن هناك ثورة معلوماتية تُعزز قدرات جيش الدفاع.
إذن فإن استخلاص العبر هو أبرز الدروس التي ما يزال الإعلام الإسرائيلي يُحرض المسؤولين عليه، أما إعلامنا العربي فما يزال مسخرا لتحريض العرب على العرب، أما معظم الإعلام الفلسطينيي فما يزال مكرسا لتحريض الفلسطيني على الفلسطيني!
أما استخلاصُ العبر من حرب أكتوبر ومن نضالنا كله، فسوف يظل هو الشيء الوحيد الغائب عن الإعلام العربي والفلسطيني!